في 22 فيفري عام 2019، انطلق الحراك الشعبي الجزائري ليكون لحظة تاريخية تحمل في طياتها روح التغيير والتطلع نحو مستقبل أفضل، لقد انبعث كرد فعل قوي أمام التحديات التي واجهت البلاد، لم يكن الحراك مجرد تظاهرات احتجاجية، بل كانت رغبة قوية في إحداث إصلاح جوهري في البلاد.
لقد أدهش الشعب الجزائري العالم بحراكه بمئات الآلاف من البشر بأسلوب سلمي حضاري واعي.
إن الشعب بوعيه والجيش بوطنيته هما الرقمان الصعبان في المعادلة الجزائرية، لأن وعي الشعب الجزائري بالواقع المحيط والتجارب السابقة هو الذي صنع هذا النهج، كما أن وطنية الجيش وإدراكه للمسؤولية الكبيرة التي على عاتقه بالوقوف والتلاحم مع الشعب خاوة خاوة كما كانت تهتف حناجر مختلف فئات الشعب، كانا هما المخلصان للجزائر في تلك المرحلة العصيبة.
لقد أدى الجيش الوطني الشعبي، دورًا حيويًا في حماية مسار الحراك الشعبي في توليفة رائعة بينهما يطبعها الانسجام والأخوة والتلاحم.
لقد اندمج الجيش والشعب في هذا النهج المشترك، لهذا ظل ويظل هذا الحراك رمزًا للتلاحم الذي قاد الجزائر نحو فصل جديد من التقدم والاستقرار.
روح الوحدة الوطنية والأخوة والتلاحم في بناء الجزائر الجديدة
وقع رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون، يوم الأربعاء 19 فيفري 2020، على المرسوم الرئاسي يجعل من 22 فبراير “يومًا وطنيًا” تحت تسمية ” اليوم الوطني للأخوة والتلاحم بين الشعب وجيشه من أجل الديمقراطية”.
حيث شدّد الرئيس في إحدى تصريحاته على ان “الحراك المبارك حمى البلاد من الانهيار الكلي”، مشيرًا إلى أنّ “الدولة الوطنية كادت أن تسقط نهائيًا مثلما حدث في بعض الدول التي تبحث اليوم عن وساطات لحلّ مشاكلها”.
لقد سمح تلاحم الشعب وجيشه في الحراك من أجل الديمقراطية، بإعادة البلاد إلى سكتها الصحيحة، وإنقاذ الدولة من خلال حزمة مخرجات إيجابية عبّدت الطريق لإنتاج دستور جديد ومؤسسات دستورية، كما أثمرت انفتاحا أكبر لفئات الشباب والنساء وفعاليات المجتمع المدني كفواعل مهمة داخل المجتمع.
فعاليات المجتمع المدني قــوة داعمــة في المجهود التنمـوي
بعد نجاح الحراك، وضعت السلطة خارطة طريق للاستجابة لمطالب الشعب، عملت من خلالها على المساهمة في الانتقال الديمقراطي وبناء مؤسسات دستورية، بتكريس الحريات وفتح المجال الإعلامي والمجتمعي والسياسي أمام الشباب، بشكل يساهم في تنظيم المجتمع بمشاركة جميع الفئات.
لقد عملت السـلطة الجزائرية إلـى الدعوة الى الانتظام فـي الجمعيـات الموجـودة أو تأسـيس جمعيـات جديـدة مـن أجـل تحفيز فعاليات المجتمع المدني، حيث أشـارت بعـض المصـادر إلـى تأسـيس أكثـر مــن 4000 جمعيــة خلال الثلاث ســنوات التــي تلــت الحــراك، حيث جعلـت السـلطة مــن الجمعيــات آليــة للمشــاركة السياســية المحليــة.
لقد أكد الرئيـس عبـد المجيـد تبون مرارا علـى ضـرورة إشـراك المجتمـع المدنـي فـي الشـأن العـام لتعزيـز الديمقراطيـة التشـاركية، حيث تؤطر وتقنن الســلطة مهــام ووظيفــة المجتمــع المدنــي كقــوة داعمــة لمجهودهــا التنمـوي، كما تسـاهم في غـرس الوعـي بالتحديـات التـي تمـر بهـا البـلاد ويشـارك فـي تجسـيد برامـج التنميـة.
تحفيز الشباب للمشاركة في الشأن العام
لقد ساهم الحراك في تطوير الثقافة السياسية للشباب الجزائري، الشباب الذي طالما عزف عن الممارسة السياسية لانعزاله الكبير سابقا عن المشهد السياسي، وغرقه في يوميات ملؤها الفراغ، والتهميش، ومن ثم فريسة لمختلف الآفات الاجتماعية.
إن هذه المرحلة التي أعلن عنها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، عبر التزاماته الـ 54 تضع الشباب ضمن السطر الأول لأولوياته، ليلعن بذلك عن عهد جديد للشباب الجزائري في التعاطي مع المشهد السياسي.
تسعى السلطات في هذه المرحلة، لفتح المجال للشباب للتعبير عن أرائه وتعبيد له الطريق للمشاركة من خلال انخراطه في مختلف منظومات المجتمع ومؤسساته السياسية والجمعوية وغيرها من الفضاءات المؤطرة، على رأسها المجلس الأعلى للشباب، المرصد الوطني للمجتمع المدني، الجمعيات، المجالس الشعبية، الوطنية والمحلية، كما تعمل على تعزيز قدرات الشباب وتنمية مهاراتهم و تعزيز روح المواطنة لديهم و تطوير آليات مشاركة الشباب في الحياة العامة.
تكريس مبدأ الديمقراطية التشاركية
لقد عملت السلطات العليا للبلاد على ربط قنوات التواصل مع المواطنين وجعلهم فاعلين أساسيين في رسم السياسات الوطنية الرامية إلى تحسين إطارهم المعيشي، وذلك من خلال تيسير وصولهم إلى المعلومة من جهة والاستماع إلى انشغالاتهم ومقترحاتهم من جهة أخرى.
لقد عمل الرئيس عبد المجيد تبون على الإصغاء عن قرب لانشغالات المواطنين قصد “إرساء الطمأنينة لديهم وخلق فضاءات حوارية منتظمة مع الهيئات الدستورية التي تمثل مختلف أطياف الشعب، على غرار المرصد الوطني للمجتمع المدني والمجلس الأعلى للشباب”.
حيث دعا رئيس الجمهورية إلى اعتماد حوار منظم في إطار التشريعات الجديدة التي تهدف إلى “إتمام هيكل البناء التشاركي للابتعاد عن التسلط والحكم الفردي”.
كما أشرف الرئيس على جلسات وطنية مع حاملي المشاريع المبتكرة وأصحاب المؤسسات الناشئة من الشباب ورواد الأعمال الاقتصاديين والمصدرين، كما حرص الرئيس عبر خرجاته الميدانية عبر ولايات الوطن، على الالتقاء مباشرة مع المواطنين وعقد لقاءات مطولة مع أعيان وممثلي المجتمع المدني.
وفي إطار الديمقراطية التشاركية، أسدى الرئيس جملة من التعليمات الصارمة للحكومة من أجل التكفل بالانشغالات اليومية للمواطنين بهدف بناء مجتمع منسجم، ومن أجل تصحيح العلاقة بين الإدارة والمواطن.
يتجسد اليوم الوطني للأخوة والتلاحم بين الشعب وجيشه من اجل الديمقراطية كل عام كمناسبة تتسم بالفخر والوحدة، حيث يلتقي الشعب والجيش تحت راية وطنهم للاحتفال بقيم الوحدة و الأخوة التلاحم. إن هذا اليوم بما يحمله من رمزية يعكس رغبة الأمة في بناء مستقبل مشترك يقوم على مبادئ المشاركة والأخوة والتلاحم بين القوى الحية في المجتمع لتعزيز عناصر الأمن القومي الوطني والاستجابة لمختلف التحديات .
ففي هذا اليوم، تبرز قيم التسامح والمحبة والاحترام المتبادل بين جميع أفراد الوطن، سعياً إلى تعزيز روح الوفاق والوحدة التي تصنع الأمم القوية.
بلقيس بوزيان
مناقشة حول هذا المقال