الإدمان الإلكتروني، صنفته منظمة الصحة العالمية عام 2018 على أنه أخطر آفة بعد المخدرات، وأدرجته كإدمان سلوكي تتعدد مظاهره بين الإدمان على مواقع التواصل الاجتماعي والالعاب الإلكترونية، هذه الأخيرة التي صارت ملاذا للكثير من الشباب.
حاولنا من خلال هذا الملف الوقوف على الأسباب الحقيقية التي تقف وراء هذا الاستعمال غير العقلاني للتكنولوجيا، والنتائج النفسية والاجتماعية والصحية الخطيرة على الأطفال والشباب، من خلال آراء أهل الاختصاص في الميدان.
الألعاب الإلكترونية أخطر أشكال الإدمان والحوت الأزرق يقضي على 130 طفل في العالم
يجمع الكثير من الخبراء والمختصين في الميدان أن أخطر أشكال الإدمان الإلكتروني، هو الألعاب الإلكترونية لما لها من انعكاسات خطيرة على الأطفال والشباب من مختلف النواحي، مما جعل المنظمات العالمية تصنف البعض منها على أنها الاكثر خطورة وتطالب الدول بحظرها، منها اللعبة الانتحارية “الحوت الأزرق” التي حصدت ما بين 2015 و2017 أكثر من 130 طفل في العالم، ومست الجزائر كذلك، وقد صنفت كأكثر الألعاب خطورة، وهي تقوم على فكرة التحديات، وتصل بالمستخدم إلى تشويه جسده والذي هو في الغالب طفل أو مراهق، وتصوير نفسه في وضعيات خطيرة كالوقوف على حافة سطح المنزل، وبعد 50 يوم من التحدي يقدم المستخدم على الانتحار، إما برمي نفسه أو شنق نفسه، وفي الجزائر تم حجب هذه اللعبة بصفة رسمية عام 2017 بعد الهلع الذي أصاب العائلات على إثر انتحار ستة أطفال كانوا مدمنين على هذه اللعبة.
ومن الألعاب التي أثارت جدلا كذلك، واعتبرتها الكثير من الهيئات والمنظمات العالمية، أكثر الألعاب خطورة، نجد لعبة مريم، وتتميز هذه الأخيرة بالإثارة عبر مؤثرات صوتية تسيطر على المستخدمين وتبث في نفوسهم الرعب، وتنشأ علاقة قوية بينهم وبين شخصية مريم إلى درجة تجعلهم ينفذون أوامرها، وفي النهاية تدفعهم للانتحار، ومن الألعاب الخطيرة كذلك نجد لعبة “شارلي” أو لعبة الاقلام وهي لعبة أودت بحياة عدد من الأطفال من مختلف البلدان نتيجة الذعر الذي حدث لهم، وتقوم اللعبة على استدعاء “شارلي” وهي شخصية ميتة، بعد رسم شبكة من المربعات وكتابة نعم أولا وتتم موازنة قلم الرصاص فوق الآخر ويتم استدعاء شارلي ويتحرك القلم باتجاه أحد الخيارات، وهذا ما يجعل الطفل يدخل في حالة هستيرية من الرعب والخوف، قد توصله إلى الهلاك، كما صنفت لعبة “جنية النار” والتي تؤدي إلى الانتحار حرقا، ولعبة “بوكيمون جو”، من الالعاب الخطيرة كذلك.
“البابجي” و”الفري فاير” أكثر استقطابا للأطفال والمراهقين في الجزائر
“الفري فاير” لعبة تستقطب الأطفال والمراهقين وتعتبر من أكثر الالعاب تقبلا من العائلات الجزائرية ظنا منها، أنها لا تشكل أي خطورة، حيث تقوم هذه اللعبة القتالية التي تم إصدارها عام 2017 على مبدأ الحرب والقتال وتضم خمسين لاعبا ينزلون من مكان واحد بحثا عن الموارد والأسلحة لقتل الخصوم الذين يعترضونهم، والهدف الرئيسي هو البقاء على قيد الحياة في ساحة المعركة، وفي الدول الغربية تمنع على الاطفال من هم دون السادسة عشر، إلا أن في الجزائر يلعبونها من هم دون السادسة، وقد صنفت بأنها أكثر الألعاب عدوانية وعنفا وقد حظرتها الصين لما تسببه من إدمان شديد ومخاطر على الصحة النفسية والعقلية.
أما “البابجي” فهي اللعبة التي تحظى بمتابعة كبيرة بين المراهقين في الجزائر، وهي لعبة قتالية انتقامية وعدوانية في نفس الوقت، وتعتمد على العنف كوسيلة وحيدة للنجاة والفوز، وتحول هذه اللعبة اللاعبين إلى مجرمين، حيث تدور بين متنافسين من عدة بلدان يتواصلون بشكل مباشر، ويتم استخدام الأسلحة بكل أنواعها، وتعتمد على صور جذابة قريبة من الواقع وخريطة يتبعها اللاعبون، ويجمع الخبراء أن هذه اللعبة لها نتائج وخيمة على تنمية السلوك العدواني لدى الطفل.
عائلات تعاني من سلوك أبنائها العدواني
انتشرت الألعاب الإلكترونية في الجزائر باعتبارها أقوى شكل من أشكال الإدمان، وصارت الكثير من العائلات تعاني من بعض سلوكات أبنائها، وهي لا تدري أن كثرة استعمال الهاتف أو الحاسوب يعبر عن مرض خطير يضاهي خطورة الإدمان على المخدرات، وفي هذا الصدد تروي السيدة سعيدة، حكايتها قائلة “يعيش ابني البالغ من العمر16سنة منعزلا، يقضي ساعات طويلة وهو يلعب لعبة “البابجي” خاصة وأنه توقف عن الدراسة، وقد تغيرت سلوكاته بعد أن كان هادئا مطيعا، صار سريع الغضب وكلما أخفيت له الهاتف هددني بالضرب، تضيف، أعلم أن الألعاب غيرت سلوك ابني، وإني أرى حالته تزداد سوءا ولكني لم أجد سبيلا لمساعدته”.
وفي ذات السياق تؤكد الأساتذة فتيحة وهي معلمة بمدرسة ابتدائية، سلوك أحد التلاميذ قائلة “كنت ألاحظ سلوكه العدواني مع زملائه، وفي البداية استعملت معه أسلوب الحوار، ولكنه لم يجدي نفعا، ورفعت المشكلة إلى المديرة لعجزي عن حلها، وبعد استدعاء الأخصائية النفسية تبين أنه مدمن على لعبة “فري فاير”، وهنا تنبهت للأمر، وتحدثت مع والدته لتوجيهه للعلاج”.
“حاولت انتزاع منه الهاتف فهرب من المنزل”
يؤكد محمد وهو طبيب عام أن الكثيرين لم يتنبهوا لخطورة الألعاب الإلكترونية، وفي هذا الصدد يروي تجربته مع ابنه المقبل على شهادة الباكالوريا قائلا “كنت أرى استعماله للهاتف لفترة تدوم ساعات، وكثيرا ما أوجه له ملاحظات، فيغضب، ولكن حين اكتشفت إدمانه على لعبة “البابجي”، واطلعت على خطورتها انتزعت منه الهاتف بعد أن صرخ في وجهي، ولكن المفاجأة لم أكن أتوقعها، فقد خرج من المنزل وبقيت أنا وأمه نبحث عنه طوال الليل، وفي الأخير وجدناه عند أحد أصدقائه، وهددني إن لم أعيد له هاتفه، لن يعود إلى المنزل، وهناك اكتشفت خطورة الأمر وأنه وصل إلى الإدمان، وقد غيرت معاملتي معه بعد أن استشرت مختص نفسي، الذي رافقه حتى تخلص من هذه الآفة التي ما يزال الكثيرون يجهلون مخاطرها”.
ومخاطر الألعاب لم تقتصر على الأطفال فقط والمراهقين، فقد التقينا السيدة جميلة، عند إحدى المختصات في إطار بحثنا، تشتكي من زوجها المدمن على الألعاب الإلكترونية وكذا مواقع التواصل الاجتماعي، تقول في هذا السياق “أن الأمر صار خطيرا منذ انتشار الوباء وكذا بداية الحجر المنزلي، لم يعد يخرج من البيت، طول الليل وهو يمسك بالهاتف، وفي النهار نائم، وحين أحتاج لمشتريات البيت يطلب منى الخروج، وأحيانا يبقى لثلاثة أيام دون أن يخرج من البيت، وكأنه يعيش منفصلا عن العالم الخارجي، وتضيف محدثتنا، أنني صرت أخشى على أولادي من رؤيتهم لوالدهم في هذه الحالة”.
أطفال يدمنون على المواقع الإباحية
أكدت لنا السيدة نعيمة وهي مديرة مدرسة خاصة، أنها واجهت في الاشهر الأخيرة حالة تلميذ في السنة الرابعة ابتدائي، كانت له سلوكات غير أخلاقية مع الفتيات، وبعد عدة شكاوي تقول استدعيته وطلبت منه تفسير لما يقوم به، فأجابني بطريقة وقحة أنه له الحق في كل ما يفعل، وأن زميلاته في الدراسة هن صديقات وأن الأمر عادي، تضيف، أثار غضبي لوقاحته واستدعيت والداه، اللذان استغربا الحالة، ثم وجهته للأخصائية النفسية التي أفصح لها بعد عدة جلسات أن والداه كثير الانشغال بسبب العمل، وله هاتف ذكي وهو مدمن على مشاهدة المواقع الإباحية، مما جعله يعتاد على الأمر خاصة وأن رقابة الوالدين غائبة، وهنا تضيف السيدة نعيمة نتأسف حين نرى براءة الاطفال تموت بسبب العالم الافتراضي الخطير، وخاصة حين يتنصل الوالدان من مسؤولياتهما”.
أطفال يعيشون في العالم الافتراضي وآخرون يشككون في القيم
تروي المستشارة الأسرية نايت مسعود فاطمة بعض الحالات التي مرت عليها، منها حالة الطفل أمير “أمير البالغ من العمر 14 سنة تلميذ متفوق دراسيا، أتت به والدته، ولم ألاحظ في البداية أنه يعاني من أمر ما، ولكن بعد الحديث معه اكتشفت أن عمره العقلي لا يتناسب مع عمره الزمني، ورغم تفوقه إلا أن سلوكاته تبدو كطفل في السابعة من العمر، فهو يجد صعوبة كبيرة في التواصل مع الآخرين، وبعد عدة جلسات اكتشفت أن حالته تعود لإدمانه على الأفلام الكرتونية وبعض الألعاب الإلكترونية، وأن علاقته بالعالم الافتراضي جد قوية، في حين علاقاته على أرض الواقع هشة وضعيفة”.
وتضيف نايت مسعود “من الحالات التي صادفتني وأثارت استغرابي حالة الطفلة “وسام” ذات الثانية عشر، الطفلة تبدو حالتها جد عادية متفوقة وسريعة التواصل مع الآخرين، ولكنها تطرح أسئلة غريبة خارجة عن قيمنا وديننا، وهذا ما أدخل الأم في حالة من القلق والخوف، وبعد حديثي مع الوالدة عرفت أن الطفلة تكرر بعض الاسئلة على والدتها، منها، لماذا لا تتزوج المرأة بأكثر من رجل في نفس الوقت، وأسئلة أخرى تناقض مبادئنا، وبعد جلساتي مع الطفلة تأكدت أنها ومنذ سنوات تدمن على بعض الألعاب الإلكترونية، والتي تحتوي رسائل مشفرة تستهدف ضرب القيم والدين”.
خبراء يشخصون آفة الإدمان الإلكتروني ويقترحون العلاج
فطومة خداوي (أخصائية نفسية): “يجب معالجة مشاكل الأطفال النفسية بدل تركهم يهربون للألعاب الإلكترونية”
تؤكد الأخصائية النفسية ومديرة شركة “ليمونال أكاديمي للاستشارة والتدريب والتعلم”، فطومة خداوي، أن الشباب الجزائري له قابلية للاندفاع نحو العنف، لذا فالألعاب الإلكترونية تغذي هذا الاندفاع وتزيد من العدوانية والعصبية، ولعل أهم الأسباب التي تؤدي إلى الإدمان الالكتروني هو الشعور بالسعادة والنشوة التي يشعر بها الفرد من جراء ممارسة هذه الألعاب، وكذا الفراغ الناتج عن الحجر الصحي إثر تفشي الجائحة.
كما أن انشغال الوالدين عن الأطفال ظنا منهما أن الألعاب الإلكترونية هي الطريقة المثلى لإلهائهم، ينتج عنه عدم تنمية القدرة على بناء علاقات لمواجهة المشاكل الحقيقية خاصة لدى المراهقين، ومن جهة أخرى تشير محدثتنا إلى أن هناك سبب قوي، يجعل الطفل والمراهق يدمن على الأنترنت، ويتعلق الأمر بالتسويق من طرف الشركات المنتجة للألعاب الالكترونية، فبرامجها مدروسة بطريقة مشوقة تستهدف الاطفال والمراهقين.
يظهر الإدمان الالكتروني عند الأطفال عندما يكون الطفل شديد التعلق بجهاز الانترنت، مع الاستعمال لوقت طويل، يبعد عنه الرغبة في الخروج ومشاركة أقرانه في اللعب، إضافة إلى العصبية وعدم أدائه للمهام المطلوبة منه سواء في البيت أو المدرسة، وعجز التواصل مع الآخرين وعدم إدراكه للزمن.
أما عن الآثار المترتبة على الإدمان الإلكتروني، تؤكد الأخصائية خداوي أنها كثيرة وخطيرة، منها آلام في الظهر والعين ومشاكل في الرؤية، وضعف عضلات الجسم ومشاكل في النمو، وفقدان الشهية أو العكس إفراط في الشهية، اضطرابات هضمية، وهناك مشاكل على مستوى الجهاز العصبي لأن الألعاب الالكترونية تؤدي إلى الانفعال الذي لا يجد له متنفس وهذا ما يترك المجال لبقاء العنف في السيالة العصبية فيتقوى السلوك العدواني والعصبي عند الطفل.
لقد أثبتت الدراسات الحديثة أن بقاء الفرد مع الجهاز يخلق جو كهرومغنطيسي وهذا ما ينقص مناعة الجسم ويسبب مشاكل في النمو عند الطفل على المستوى العصبي والنفسي والانفعالي، كما يعزز الشعور بالعزلة وبالوحدة وينتج عن هذا الادمان مشاكل أخرى كعدم التركيز ونقص التحصيل المدرسي ومشاكل في علاقات مع العائلة وعدوان لفظي.
طرق العلاج حسب محدثتنا هو شغل أوقات الفراغ بمساعدة الأولياء وعليهم أن يعوا خطورة الألعاب، ويجب تحديد أوقات اللعب وليس منعهم ولأن المنع يخلق رغبة أكبر، ووضع برنامج للرياضة والترفيه وبناء علاقات مع الاطفال ومراقبة الطفل ومشاكله الانفعالية وحل المشكلات النفسية بدل تركه يهرب منها إلى الالعاب الالكترونية.
كما يجب معرفة مصادر الإثارة في مختلف الألعاب، فهناك نوعين من الألعاب الإلكترونية هناك ألعاب فردية وهذه لا تشكل خطورة كبيرة، وهناك الألعاب الجماعية هذه التي تشكل خطرا كبيرا لأنها مربوطة بإيجاد علاقات على المستوى الافتراضي وكشكل وقائي يجب منع هذه الألعاب على الأطفال من هم دون السادسة، وفي الأخير دعت المعالجة النفسية، مختلف الهيئات إلى تنسيق جهودها مع المجتمع المدني للتوعية بالمخاطر الناجمة عن هذه الآفة الخطيرة.
المدربة الدولية فاطمة نايت مسعود: “كورونا زادت من حدة الإدمان، والأسرة تخلت عن مبدأها الأساسي وهو التربية”
تؤكد المدربة الدولية والباحثة في “الكوتشينغ” التعليمي “نايت مسعود فاطمة” أن الادمان الإلكتروني هو تعود الشخص على سلوك اعتيادي إذا استمر لفترة طويلة يصبح كالمخدر، ولا يمكنه الاقلاع عن هذا السلوك ويقع في فخ الاستهلاك المفرط الذي يجعله يعاني من اضطراب ذهني، وتضيف محدثتنا “قد انتشر هذا الادمان في كل بيت، لأن الأسرة تخلت عن المبدأ الأساسي وهو التربية وأصبح التركيز على التكفل المادي والتباهي بشراء أحسن الهواتف لأبنائها، وكثير ما تفرح الأم لأن ابنها يتقن التكنولوجيا، وأن تلك علامة للذكاء، متجاهلة حجم الأخطار التي تنتج عن ذلك”.
في عام 2017 قدمت المدربة ورشة في ألمانيا حول الظاهرة وهناك اكتشفت كما تؤكد أن هناك سيدات اكتشفن أنهن مدمنات، لأن الإدمان يقتصر على الألعاب الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، بل يشمل كذلك المسلسلات الكورية والتركية، وما توصلت إليه المدربة أن الوضع خطير، ومعه تفاقمت مشكله اللغة والتواصل، وفي هذا السياق تقول محدثتنا “هناك بعض الدراسات تشير إلى أن الادمان الالكتروني قد يؤدي إلى التوحد، وصعوبات التعلم، وقد صادفت طفل من خلال عملي فقد اللغة الأم ويتحدث بالإنجليزية بطلاقة من فرط مشاهدة الأفلام الكرتونية والألعاب الإلكترونية منها “البابجي” و”الفورت نايت”، وهنا أشير أن الألعاب الإلكترونية ضررها كبير وعواقبها وخيمة على الجانب النفسي والذهني، لانعدام الرقابة المجتمعية والأسرية، كما أن هناك أهداف مقصودة تستهدف الشباب والأطفال خاصة تلك الاعلانات التي تتخلل البرامج والالعاب”.
أما عن الأسباب فهي كثيرة، تضيف نايت مسعود، منها تخلي الأسرة عن دورها، حيث أصبح الأطفال يتنافسون في شراء أغلى الهواتف ودخلت الاسرة في هذه العولمة الوحشية وأصبحت تساير، لذا ما نلاحظه اليوم من عنف بين أطفال المدارس واضطرابات سلوكية، وتنمر في الأسرة، مرده إلى الإدمان الالكتروني، أما فيما يخص العلاج، تقترح محدثتنا، الاعتماد على المستشارين، والمختصين، واتباع العلاج على مراحل، لأن هرمون السعادة وعنصر التشويق والتحدي والتجديد والتقليد وعنصر الجذب والشد المتمثل في الالوان البراقة، وغيره من الإغراءات التي تستحوذ على عقل الطفل، لا يمكن التخلص منها مرة واحدة، بل يجب التدرج في المنع، إلى أن نتمكن من إخراجه من هذا العالم.
الخبير النفساني إدريس جوادي: “بإمكاننا التعايش بعقلانية وذكاء مع العالم الافتراضي”
يؤكد الخبير النفساني إدريس جوادي أن ظاهرة الإدمان الإلكتروني تمس كل فئات المجتمع وبمختلف شرائحه الاجتماعية والمهنية وكل الأعمار، ولكن فئة الشباب والمراهقين تعد الأكثر عرضة لهذا السلوك الإدماني بانعكاساته الخطيرة على مستوى النمو النفسي والذهني، وكذا على مستوى العلاقات مع الآخرين. سواء داخل العائلة أو خارج المحيط الأسري.. لكون ما تتميز بها فترة المراهقة من أنها أصعب الفترات بهشاشتها السيكولوجية، بعد نفاذ فترة الطفولة والإقبال على سن الرشد. وهي المرحلة التي يشتد فيها عند المراهق البحث عن معالم هويته.
ومن بين المظاهر التي تم تشخيصها في السلوك المتسبب في الإدمان الإلكتروني، يؤكد جوادي أن هناك ثلاثة مظاهر وهي الإدمان على الألعاب الإلكتروني وعلى مختلف فضاءات التواصل الاجتماعي وكذا التسوق والتبضع عبر الأنترنت.
وينشأ سلوك الإدمان الإلكتروني حسب محدثنا لدى الطفل أو المراهق بصفة تدريجية ولاشعورية. فقد يحس الشاب باستحواذ هذا السلوك اللاشعوري على حيز وفير من وقته لكن لا يعي ذلك ولا يدركه تماماً. بل أن الشاب غالبا ما يلجأ إلى تصرف دفاعي بالرفض أو الإنكار، فلو أنه شعر بالقلق والإحباط عند تعذر استخدام أدواته الإلكترونية للدخول في الانترنت وإلى عالمه الافتراضي.
ويضيف جوادي أن هناك عدة مؤشرات تعبر عن السلوك الإدماني عند الاطفال منها عدم قدرة الطفل أو الشاب عن التوقف، وكذا تقلص وضعف الاهتمام بالأصدقاء وبأفراد عائلته وبالنشاطات المدرسية أو غيرها من النشاطات الأخرى خارج العالم الافتراضي، كما يتغير السلوك لدى الطفل في أشكال عدوانية غير معتادة ولا مبرر لها، وتظهر أعراض سلوكية تميل إلى الانطواء والانعزال، قد تصل إلى حد الكآبة عند ابتعاده عن آلة الحاسوب أو أي أداة إلكترونية كان يستعملها للأنترنت..
وللوقاية من هذه الآفة، يطرح الخبير النفسي، عدة حلول منها مرافقة الأطفال أثناء استعمال الأنترنت التي تعتبر من أحسن الوسائل البيداغوجية والتعليمية للأخلاق والآداب في حسن استغلال الوقت وتوظيفه. فهي فرصة لتوجيه الطفل أو الشاب نحو الفضاءات المناسبة وتحذيره من الروابط الغير اللائقة وكذلك وضع برامج نشاطات بديلة ومشاركتهم فيها خارج عالم الأنترنت كالنشاطات الثقافية، والرياضية، ومن جهة أخرى يمكن وضع برامج الرقابة الأبوية وتثبيتها بحيث يتسنى للوالدين مراقبة ذكية للأطفال وبإشراف من الكبار أثناء استخدام شبكة الإنترنت.
يختم الأستاذ جوادي موقفه بقوله “أنه من خلال ما لاحظناه، فإمكاننا فعلا التعايش بكل عقلانية وذكاء مع العالم الافتراضي وإخضاعه إلى منطق الواقع”.
مطاري مهندس في الإعلام الآلي: “لعبة البابجي تقضي على العاطفة وعلى السلطات حظرها”
يؤكد المهندس حاج أحمد مطاري أن الانترنت هي لغة العصر بدون منازع ولكن هي سلاح ذو حدين على الفرد والجماعة، منها الإدمان على البرامج الاباحية ومواقع التواصل الاجتماعي، ولكن أخطرها الألعاب الإلكترونية وهي برامج تعلم الطفل العنف والرغبة في القتال منها ألعاب “الفري فاير” و”البابجي” التي تستقطب أعدادا هائلة من الشباب والأطفال، وبلغة الإعلام الالي فلعبة “البابجي” لتحميلها تستهلك أكثر من 500 ميغا أوكتي، وعمرها حوالي ثلاث سنوات وهي لعبة تنبني على قواعد حربية، والخطير فيها أن المشارك فيها يكون بصوت اللاعب فالعقل الباطن يسجلها على أنها حقيقة في الواقع، وتدور المنافسة بين جماعتين، لكن الشيء الذي لاحظته يضيف مطاري” أن الفائز فيها ليس الفريق ولكن شخص واحد فالألعاب كانت سمعية ثم أصبحت سمعية بصرية تطبيقية والآن أصبحت سمعية بصرية تمثيلية وتطبيقية في الواقع يبذل فيها الشخص جهدا سلبيا”.
ومن الحلول التي يراها مطاري مناسبة، حجب تطبيق هذه الألعاب مثل بعض الدول التي سارعت إلى حجبها للخطورة التي تشكلها على تنمية السلوك العدواني والقضاء على العاطفة، وهناك حلول تقنية منها تحميل برامج “غوغل فاميلي” وهو تطبيق يسمح للعائلات بحجب كل البرامج التي لا تتناسب مع سن الاطفال كما يمكن للأولياء تحديد الزمن والمدة المناسبة لأطفالهم لاستعمال الجهاز عن طريق التشفير والترميز، فحين يريد الطفل الدخول للألعاب الالكترونية يستقبل الأولياء رسالة تعلمهم بذلك.
وفي ذات السياق يقول مطاري “هناك برنامج “واعي” يحظر من دخول الأطفال للبرامج الإباحية، وتوجد تطبيقات لحجب الصور الغير أخلاقية والفاضحة، وهناك برامج تمنع تحميل الألعاب وهناك برنامج أشرفت عليه شخصيا لدى بعض العائلات وهو تطبيق “دبفرز” أي تجميد نظام المعلوماتية حيث يعمل على محو كل تحميل للألعاب”.
الدكتورة سعاد توينة “انعدام لغة الحوار وكثرة الخلافات الأسرية وراء إدمان الأطفال للألعاب الإلكترونية”
تؤكد الدكتورة سعاد توينة المختصة في علم الاجتماع العائلي أن ظاهرة الإدمان الإلكتروني التي ارتبطت بتطور الانترنت وسرعة انتشارها، تعود لعدة أسباب منها غياب الجلسات العائلية داخل الأسرة وانعدام أسلوب الحوار بين أفراد الاسرة، وكثرة الخلافات الأسرية بين الزوجين جعل الاطفال يبحثون على متنفس، يشعرون من خلاله بذاتهم وبالراحة النفسية، إضافة إلى التنشئة الاسرية والثقافات الخاطئة التي يتلقاها كل فرد تترك المجال للاستعمال السلبي للوسائل التكنولوجية، كما أن الفراغ الروحي والنفسي والثقافي والاجتماعي يعتبر من العوامل التي أدت إلى تفشي الظاهرة، ناهيك عن نقص مراكز الترفيه والرياضة.
وكحلول للظاهرة ترى الدكتورة توينة أن من الضروري تجنيد مختصين في ميدان الأسرة وعلم الاجتماع العائلي مع تكاتف الجهود والتنسيق بين مختلف الهيئات والفاعلين من أجل إيجاد حلول وتسطير برامج ناجعة كتنظيم دورات تحسيسية داخل المؤسسات للتوعية بمخاطر الإدمان الإلكتروني على الفرد والمجتمع.
كما تضيف الدكتورة توينة، يجب تشجيع ثقافة المطالعة لدى الأطفال، وتوظيف الأنترنت لتكون فضاء للتوعية والتحسيس، ومن جهة أخرى تدعو محدثتنا لتفعيل دور الائمة والمرشدين للمشاركة في إثراء الجانب الروحي والعاطفي من خلال تغيير الخطاب الديني والتركيز على ما يواجه الشباب من آفات ومخاطر.
عزيز ديال المكلف بالإعلام للودادية: “كانت لنا تجربة في إنقاذ أطفال من خطر الحوت الأزرق، ونقترح تكوين المجتمع المدني لمحاربة الآفة”
يؤكد عزيز ديال المكلف بالإعلام على مستوى الودادية الجزائرية لمكافحة المخدرات، أن العائلة الجزائرية أمام تحديات كثيرة ولعل أخطرها بعد المخدرات هو الإدمان الإلكتروني، وقد تحول الاستعمال الخاطئ للأنترنت إلى آفة مست الطفل من الأربعة سنوات وامتدت إلى سن 70 سنة، أما عن الأسباب فتتعدد حسب ديال، فالخريطة الاجتماعية تغيرت نتيجة مجمل التحولات الاقتصادية والاجتماعية، وتظهر خطورة هذه الآفة لارتباطها بآفات أخرى كالجريمة الإلكترونية والمخدرات والاختطاف.
وقد كانت للودادية الجزائرية لمكافحة الآفات الاجتماعية تجربة في الوقت الذي تفشت فيه لعبة الحوت الازرق وما سببته من هلع بين العائلات على إثر عمليات الانتحار بين الأطفال وفي هذا الصدد يؤكد ديال قائلا “كانت لنا المشاركة في إنقاذ أطفال من عملية انتحار محققة، في إطار ما يعرف بلعبة الحوت الأزرق، وقد توصلنا إليهم بعد تحريات عن علاقة أحد المنتحرين بهم، مما ساعدنا للتوصل لبعض مدمني هذه اللعبة الخطيرة، وتوجيههم إلى العلاج النفسي ومتابعتهم من طرف مختصين”.
ويقترح ديال للتصدي للظاهرة التي صارت خطورتها تضاهي خطورة الإدمان على المخدرات تكوين المجتمع المدني من خلال تنظيم دورات تكوينية، للقيام بدوره في التوعية والتحسيس، وكذا خلق مراكز لمعالجة الإدمان بالتنسيق مع مؤسسات الدولة والسلطات المحلية وتنظيم ورشات بالتنسيق مع جمعية أولياء التلاميذ للعصف الذهني، مع تشجيع ثقافة القراءة، وكذا خلق فضاءات ونشاطات لملأ فراغ الاطفال والشباب، وتكثيف العمل الجواري.
زهور بن عياد
مناقشة حول هذا المقال