نظمت لجنة التربية والتعليم العالي والبحث العلمي والشؤون الدينية، بالمجلس الشعبي الوطني، أمس. يوماً برلمانيا حول “المناهج الدراسية وتحديات المستقبل”، افتتح بتلاوة آيات من القرآن الكريم، من طرف المُقْرِئْ عبد المنعم بارودي. تلاها الاستماع إلى النشيد الوطني الجزائري، ثم كلمة ترحيبية من رئيس اللجنة السالفة الذكر، عمر معمر.
حيث أكد معمر، أن الذي جمع العقول والنخبة في هذا اليوم، هي المدرسة الجزائرية. التي تجب علينا طرح تساؤل هو “هل نحن على الطريق الصحيح؟”، مضيفاً أن “نقاش اليوم سيكون حول منظومة لإصلاح نظامنا التربوي والمدرسي، باعتبار المدرسة الجزائرية في قلب التنمية المستدامة التي تنتهجها الجزائر الجديدة. وعملا بتوصيات والتزامات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في إصلاح المنظومة التربوية ومناهجها وتنظيمهم وحمايتهم”.
بوغالي: “نظرة الرئيس تبون للمنظومة التربوية هي نظرة تنمية مستدامة”
من جهته، أوضح إبراهيم بوغالي، رئيس المجلس الشعبي الوطني، في كلمته بمناسبة اليوم البرلماني. أن “ما ينبغي على المنظومة التربوية أن تركز عليه هي مقومات المجتمع الجزائري، وقيمه”. بالإضافة إلى “توحيدها من خلال استراتيجية واضحة تنفيذا لتعليمات الرئيس تبون”.
وأضاف في السياق ذاته، أنه “وجب على المنظومة التربوية، مواكبة التطور والتكييف مع العصر، وتهيئة الظروف التمدرسية، لصنع جيل يكمل مسيرة الجزائر الجديدة”. مشيرا أن “نظرة رئيس الجمهورية، هي نظرة للتنمية المستدامة، أساسها الشخص الجزائري، وما يبذله قطاع التربية والتعليم العالي ما هو إلا تجسيد لالتزامات وقرارات الرئيس”.
عشوي: “التحديات التي تواجه المنظومة التربوية كثيرة خاصة المتعلقة بالجودة”
وعرف اليوم البرلماني، عدة مداخلات من أساتذة ومختصين، جاءت الأولى بعنوان “نحو بناء استراتيجية للتربية والتعليم”، من طرف البروفيسور مصطفى عشوي، استاذ في علم النفس بالمدرسة العليا للذكاء الاصطناعي. حيث ركز “على وضع استراتيجية قصيرة ومتوسطة المدى وطويلة المدى، لتطوير المنظومة التربوية الجزائرية”.
وأوضح أنه من الواجب قبل ذلك “وضع تقويم موضوعي وشامل للنظام التربوي على المستوى الوطني، من طرف خبراء يؤهل لهم القيام بذلك”. مبينا أن “بعض الاختبارات الدولية، وتقويم قام به المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، قد بينوا أن التحديات التي تواجه المنظومة التربوية كثيرة جدا وخاصة في مجال الجودة”.
وأضاف المتحدث ذاته، أن “المنتدى الاقتصادي العالمي سنة 2016، أوصى بضرورة تغيير الحكومات لنظامها التربوي، قصد اللحاق بالثورة الصناعية الرابعة، والتطور التكنولوجي”. مقترحاً “منهجية لتقويم المنظومة التربوية، يقوم بها خبراء، ويشتغلون تحت إشراف الوكالة الوطنية للجودة، التي ينبغي أن تنشأ في أقرب وقت وتكون تحت سلطة رئاسة الجمهورية لإبعادها عن المشاكل”.
كما شدد عشوي، أنه “من أجل بناء نظام تربوي ناجح، وجب الاعتماد على تقارير التقويم التربوي الذي أنجز من طرف مؤسسات وجهات مختلفة، والقيام بالتحليل الرباعي لبيئة أو محيط النظام التربوي”. الذي يعتمد على أربع أسس –يكمل المتحدث- “هي نقاط قوة النظام قصد تقويتها والعمل منها، ونقاط ضعف النظام من ناحية الجودة أو ناحية اخرى، أيضا ما هي التهديدات التي تواجه النظام التربوي، الذي يعبر عن نقص في هذا النظام”.
بالإضافة إلى “استراتيجية قصيرة المدى. تتضمن التعامل الجدي والسريع مع مشاكل المنظومة، والتركيز على الجودة، وتبني معايير دولية لتحسينه في شتى المجالات ورفع جودته. وأهم نقطة هي تقويم نتائج النظام التربوي كل خمس سنوات. كما وجب أبعاد النظام التربوي عن الايديولوجيات والتجاذبات السياسية”.
وأوضح المتحدث، أن “هذه المقترحات إذا توفرت، ستؤدي لوضع الجزائر في مصاف الدولة المتقدمة مستقبلا”.
بغداد باي: “يجب وضع المعلمين في ظروف ملائمة اجتماعياً وتكوينياً”
المداخلة الثانية قدمت من طرف البروفيسور بغداد باي عبد القادر، من جامعة غيليزان، بعنوان “التربية على القيم توجيهات اساسية للتنمية المستدامة”. جاء فيها التعريف بمفهوم القيم في علم الشريعة والمجتمع والنفس، واهميتها ودورها في المنظومة التربوية. إضافة لكيفية تكوينها واكتسابها.
كما بينت المداخلة “أهم عوامل النجاح الدراسي، التي تتركز على المستوى الثقافي للأسرة من مستوى الدراسي للآباء والأمهات وغيرهم، والعامل الاقتصادي. حيث يلعب هذا دورا كبيرا على مستوى انشاء الطفل المتعلم، والقيم التربوية، التي لها دور مهم في تكوين شخصية المتعلم. في المنظومة التربوية والاجتماعية”.
وأضاف بغداد باي، أن “مجال التربية والتعليم، هو المجال الوحيد للحفاظ على المقومات”. مقترحا أهم التوصيات، “الاهتمام بالمعلم من قبل الجهات الوصية تكوينياً واجتماعياً، وجعله الشغل الأول، ووضع كل الظروف الملائمة لتنشئة المتعلمين لأنهم مستقبل بلادنا الجزائر”.
مستاري: “وجوب النظر للممارسات البيداغوجية في الأقسام التعليمية”
بعدها جاءت محاضرة بعنوان ” علاقة المدرسة بالمجتمع والارساء الثقافي للمناهج تطبيقا”، من طرف الدكتور بمركز البحث التربوي بوهران، مستاري الجيلالي. حيث قال ان “تقويم المنظومة التربوية غير ممكن حاليا نظرا لنقص المصادر والتحليلات”.
مضيفا أنه “عندما نتكلم عن المنظومة التربوية، هناك محطتان رئيسيتين. الفترة الأولى هي من سنة 1972 التي سميت بمحطة “تأسيس المنظومة التربوية ما بعد الاستعمار”. والثانية هي سنة 2003 التي يطبق عليها “تأسيس المدرسة ما بعد الازمة (الإرهاب)”.
وأكد مستاري، أنه “اليوم بعد عشرين سنة. نرى أن قانون 2008 هو الذي يرتكز على الهوية الوطنية، وانفتاح للمنظومة التربوية على العالم والعولمة”. كاشفاً أن توصياته تتمثل في “وضع قاعدة بيانات للممارسات البيداغوجية في الأقسام التعليمية، التعاون الدائم بين مؤسسات البحث والمختبرات المتخصصة في البحث في المنظومة التربوية. وفتح ورشة بحثية لمراجعة مناهج التعليم في الثانوي، بما يحقق التوافق مع التعليم العالي”.
القديم أمينة: “ضرورة تعليم التلاميذ عدة مهارات مختلفة كالاتخاذ القرارات”
المداخلة الخامسة، قدمت من طرف الدكتورة القديم أمينة، مختصة في علم النفس التربوي، أستاذة بكلية العلوم الاجتماعية والإنسانية، قسم علم النفس وعلوم التربية والأرطوفونيا بجامعة البليدة 02، وجاءت بعنوان “التكامل في المناهج التربوية مراجعة تقييم واستشراف”. قالت فيها أن “التربية والتعليم، هي أساس تطور الشعوب والبلدان وتقدمها”.
وأكدت أنه “من الواجب تعليم التلميذ عدة مهارات، منها احترام الذات، حل المشكلات والتفكير الناقد، اتخاذ القرار، الثقة بالنفس، والإبداع والابتكار”.
وأوضحت القديم. أن “تحديات تطوير المهارات في استخدام وسائل التكنولوجيا في التعليم، ترتكز في استخدام التعليم المزدوج (حضوري وعن بعد). والابتعاد عن طريقة التعليم التقليدية، وضرورة استبدال طريقة تقييم التلميذ، وعدم الاعتماد على التحصيل الدراسي فقط”.
واوصت المتحدثة ذاتها، “بوجوب التكامل بين أطراف المنظومة التربوية الجزائرية لأجل إصلاحها، ودمج كل التجارب الايجابية للمناهج التربوية، وضرورة تكوين الأساتذة بصورة مستمرة ومتكاملة. إضافة إلى استكمال رقمنة القطاع، والاستفادة من البحوث الجامعية التي أنجزت حول النظام التربوي”.
بن شريف: “المنهاج التربوي الحالي بحاجة لإصلاح عميق”
وفي المداخلة الاخيرة، قدم النائب بن شريف حليم، مداخلة بعنوان “المناهج التربوية بين النظري والتطبيقي”. قال فيها بعد عرض مداخلته، التي ركزت على تساؤلات حول تحقيق المناهج الحالية للمطلوب منها حسب ما صيغت. والذي اتفق جميع الحضور على أنه وضع الإصبع على الجرح، وعلى المشاكل الحقيقية للمناهج.
حيث أكد المتحدث، على أن “كل من المعلم والمنهج، والذي يصيغه، بحاجة إلى اصلاح عميق. وهذا ما لمسناه في الميدان، من خلال تذمر وقلق الأولياء. والأساتذة خصوصا من تسلط بعض المفتشين. والنقابات لوصول كثير من الشكاوى لها. والتلاميذ الذين ينفرون من الدراسة وخصوصا الامتحانات”.
ومن التوصيات التي اقترحها بن شريف، هي “تقييم شامل للمنهاج. وتحديد أهدافه، قياس وتقييم دوري له، تطويره، وتحسين منفذه وتكامله مع التكنولوجيا الجديدة”.
عبد القادر فوضيل: “استراتيجية النظام التربوي المطبقة عندنا ليست واضحة”
بعد انتهاء مداخلات الأساتذة، تم فتح الباب للمناقشة عامة. أين تدخل الاستاذ عبد القادر فوضيل، وأوضح أن “معنى بناء الاستراتيجية، هو النظر الى النظام التربوي الحالي لنرى إذ كان يطق الاستراتيجيات أو لا”. معقبا أنه “عند التركيز عليه، نجد أنه لا يمكننا الحكم عليه لأنه مليء بالأخطاء”.
وأكمل في السياق ذاته. أنه “ينتقد البعد الوطني والاتجاه الديمقراطية، وألغى التعليم الاساسي، لهذا فالاستراتيجية التي طبقت عندنا غير واضحة المعالم. فمثلا تعليم اللغة الانجليزية والفرنسية في الابتدائي غير ملاءم كبداية للتعلم”.
فيما أكد المتدخلون كثر، ضرورة تغيير وتحسين وتطوير المناهج التربوية، من الابتدائي إلى المتوسط إلى الثانوي إلى التعليم العالي الجامعي والتكوين المهني. وضرورة متابعة جدية لسيرورتها ومراقبتها. إضافة إلى إشراك كل الفاعلين من جميع الأطراف، وإدخال منهج التربية المقاولاتية والحياتية عليها.
“تأخير درس القضية الفلسطينية في الثانوي أمر مدبر”
وسلط مقترح لمتدخل، الضوء على مشاكل الابتدائية. حيث ركز على مشكل تدريس ثلاث لغات في السنة الثالثة، وهل هذا الأمر مسموح ومقبول؟ إذ لا يمكن لطفل أن يتعلم ثلاث لغات مباشرة.
كما ركز ذات المتدخل، في المتوسطة. على غياب استاذ مادة التربية الإسلامية التي يحتاجها التلميذ في هذه المرحلة، ووجوب عدم تعليمها من قبل استاذ اللغة العربية، في حين هناك قامات جزائرية وشبان متفوقون في شريعة الاسلامية. وفي حين وجود أساتذة خاصين لمواد ليست اساسية او ضرورية حتى.
وفي الثانوية. ركز على أن القضية الفلسطينية التي تعتبر القضية الجزائرية والاسلامية الأولى، هي آخر درس يدرس في مادة التاريخ، حيث في ذاك الوقت لا يحضر اغلب التلاميذ، في حين أن هناك درس في فصل كامل عن الشيوعية والرأسمالية. وأوضح أن “هذا الأمر مخطط له من قبل، داعيا الرئيس تبون للنظر في هذه الأمور”.
بعدها تم تلاوة التوصيات المقترحة. في اليوم البرلماني، وتم تكريم المحاضرين وبعض الضيوف، من أبرزهم الشيخ الدكتور عبد القادر فوضيل، الذي يعد أهم علم من اعلام المنظومة التربوية الجزائرية منذ القدم. من خلال كتاباته ومؤلفاته العديدة.
لينتهي اليوم البرلماني. بكلمة ختامية لرئيس لجنة التربية والتعليم والبيئة والشؤون الدينية، عمر معمر. أوضح فيه أن هذا اليوم كان قيم ومثري جدا. مؤكدا أن اللجنة ستأخذ كل التدخلات والملاحظات والمشاركات بجدية، قصد إصلاح المنظومة التربوية الجزائرية.
عليوان شكيب
مناقشة حول هذا المقال