أعلنت المحكمة الدستورية، برئاسة عمر بلحاج، السبت، عن النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية التي جرت في 7 سبتمبر 2024.
وفي كلمته، التي ألقاها بهذه المناسبة، أكد عمر بلحاج، أن المترشح الحر عبد المجيد تبون، حصل على الأغلبية المطلقة من الأصوات الصحيحة، مما يؤهله للفوز بعهدة رئاسية ثانية، وجاء في البيان الرسمي للمحكمة: “المترشح عبد المجيد تبون نال 7 ملايين و976 ألف و291 صوتاً، وهو ما يعادل نسبة 84.30% من الأصوات المُعبر عنها، وبناءً عليه، تعلن المحكمة الدستورية، عبد المجيد تبون، رئيساً للجمهورية”.
ومن المتوقع حسب مصادر، أن يقوم عبد المجيد تبون، بالقسم الدستوري، يوم الأربعاء الموافق لـ 18 سبتمبر 2024، كرئيس للجمهورية لعهدة ثانية تمتد لخمس سنوات.
من هو عبد المجيد تبون؟
ولد عبد المجيد تبون، بتاريخ 17 نوفمبر 1945 بالمشرية ولاية النعامة، ثمانية أشهر بعد ولادته، تنقلت عائلته من ولاية النعامة للعيش في ولاية سيدي بلعباس، بسبب مضايقات وتعسف المستعمر الفرنسي (الإدارة، الدرك.. إلخ) ضد والده بسبب خطاباته الوطنية، بالنظر إلى انتمائه إلى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
بدأ عبد المجيد تبون، مسيرته الدراسية بالمدرسة الابتدائية “أفيونس” بولاية سيدي بلعباس، ثم المدرسة الحرة للأئمة، في سنة 1953، وبعد حادث عائلي، قام والد عبد المجيد تبون، بإرساله إلى البيض، للعيش عند خاله حمادة، لمواصلة الدراسة في الطور الابتدائي.
تمكن عبد المجيد تبون، من إتمام دراسته في الطور الابتدائي، واجتياز امتحان مسابقة الطور المتوسط (السنة السادسة)، سنة 1957، بعدها درس في الثانوية الجهوية (الإسلامية الفرنسية)، المعروفة باسم “المدّرسة” ثم في ثانوية بن زرجب.
في عام 1965، حصل عبد المجيد تبون، على شهادة البكالوريا بتفوق، مما أهله للتقدم إلى مسابقة الدخول للمدرسة الوطنية للإدارة، من بين 600 مترشح، كان عبد المجيد تبون من بين 37 طالبًا فقط تمكنوا من النجاح في هذه المسابقة الصعبة، حيث تخرج في 1969 متخصصًا في الاقتصاد والمالية، ضمن دفعة “الشهيد البطل العربي بن مهيدي”.
بدأ تبون، مسيرته المهنية في ولاية الساورة سابقا، التي كانت تضم آنذاك بشار، تندوف وأدرار، بعد أدائه للخدمة الوطنية بين 1969 و1971، عاد ليواصل مسيرته الإدارية حيث تقلد العديد من المناصب الهامة، بدأ كإداري، ثم مكلف بمهمة، قبل أن يتم ترقيته إلى أمين عام بولاية الجلفة التي كانت حديثة النشأة آنذاك في عام 1974، بعد ذلك، تم تحويله إلى ولاية أدرار في 1976، ثم إلى ولاية باتنة في 1977، وأخيرًا إلى ولاية المسيلة في 1982.
في 1983، عين واليًا على ولاية أدرار، ثم انتقل إلى ولاية تيارت في 1984، وولاية تيزي وزو في 1989.
بفضل خبرته وكفاءته، التحق بحكومة سيد أحمد غزالي في 1991، كوزير منتدب مكلف بالجماعات المحلية. وهي مسؤولية كبيرة تركت بصمة واضحة في مسيرته السياسية، ترك الحكومة في 1992.
في عام 1999، تم استدعاؤه مجددًا للحكومة ليشغل منصب وزير الاتصال والثقافة، ثم وزيرًا منتدبًا مكلفًا بالجماعات المحلية للمرة الثانية، بعدها تولى وزارة السكن والعمران بين 2001 و2002، واستدعي مرة أخرى لنفس الوزارة في 2012، في عام 2017 تولي منصب وزير التجارة بالنيابة، وفي ماي من السنة ذاتها عُين وزيرًا أول.
انتخب عبد المجيد تبون، رئيسا للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية في الانتخابات الرئاسية التي أقيمت بتاريخ 12 ديسمبر 2019 بنسبة 58.13%، كما فاز بعهدة ثانية، عقب حصوله على نسبة 84.10% من الأصوات في الرئاسيات التي نظمت يوم 7 سبتمبر 2024.
عهدة الرئيس تبون الأولى: إصلاحات سياسية واقتصادية تعيد تشكيل المشهد الجزائري
خلال عهدته الرئاسية الأولى التي امتدت من 2019 إلى 2024، شهدت الجزائر العديد من التغييرات والإصلاحات الهامة تحت قيادة الرئيس عبد المجيد تبون، الذي ركز جهوده على تحسين الأوضاع الداخلية للبلاد، وتعزيز مكانتها على الصعيدين الإقليمي والدولي.
في عام 2020، أطلق الرئيس تبون، حزمة من التعديلات الدستورية التي اعتُبرت خطوة محورية نحو تعزيز الديمقراطية والحريات في الجزائر، التعديلات التي تمت المصادقة عليها عبر استفتاء شعبي في نوفمبر 2020، ركزت على تعزيز مبدأ الفصل بين السلطات، حماية الحقوق الفردية والجماعية، وتقييد الولايات الرئاسية إلى اثنتين فقط، هذه الإصلاحات جاءت لتلبية تطلعات الشعب الجزائري بعد حراك 2019.
ومنذ توليه الحكم، أعلن تبون، عن تبني سياسة صارمة لمكافحة الفساد، الذي أرهق الاقتصاد الجزائري لسنوات، تحت إشرافه، تم محاكمة العديد من المسؤولين السابقين ورجال الأعمال البارزين المتورطين في قضايا فساد كبيرة، الحملة ركزت على استعادة الثقة بين المواطنين والحكومة، وتعزيز مبدأ الشفافية في تسيير الشأن العام.
على الصعيد الاقتصادي، ركز الرئيس تبون، على تقليص الاعتماد المفرط على قطاع النفط والغاز، من خلال إطلاق إصلاحات واسعة، تهدف إلى تنويع الاقتصاد الجزائري، تم تعزيز الاستثمار في قطاعات مثل الزراعة، الصناعة والتكنولوجيا، بهدف خلق اقتصاد أكثر تنوعاً واستدامة، كما شجع الاستثمارات الخاصة، سواء المحلية أو الأجنبية، لتوفير فرص عمل جديدة وتحقيق نمو اقتصادي متوازن.
في سياق تحسين الوضع الاجتماعي، قدم الرئيس تبون، دعماً كبيراً للفئات الهشة، خصوصاً خلال جائحة “كوفيد-19″، التي أثرت على الاقتصاد العالمي، تضمنت السياسات دعم الأجور المنخفضة، تحسين الرعاية الصحية، وتوسيع مظلة الضمان الاجتماعي، فضلا عن توزيع العديد من السكنات بمختلف الصيغ للمواطنين.
في خطوة تهدف إلى تمكين الشباب، أطلق تبون، مبادرات عدة لدعم ريادة الأعمال، بما في ذلك منح قروض بدون فوائد للشباب، وتشجيعهم على دخول عالم الأعمال.
على الساحة الدولية، سعى الرئيس تبون، إلى إعادة الجزائر إلى موقعها الريادي في الملفات الإقليمية، كانت الجزائر تحت قيادته فاعلاً أساسياً في الأزمة الليبية، بالإضافة إلى دعمها الثابت للقضية الفلسطينية والصحراوية، كما عمل على تعزيز العلاقات مع الدول الإفريقية والعربية، مما ساهم في تحسين عودة الجزائر على المستوى الدولي.
مع انتهاء ولايته الأولى، ترك الرئيس عبد المجيد تبون، بصمة واضحة على المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي في الجزائر، إصلاحاته الشاملة، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، جعلت من الجزائر بلداً أكثر استقراراً واستعداداً لمواجهة تحديات المستقبل
العهدة الثانية: آمال ووعود منتظرة وتحديات
مع انطلاق العهدة الرئاسية الثانية، للرئيس عبد المجيد تبون، تتطلع الجزائر إلى استكمال مسيرة الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التي بدأها خلال ولايته الأولى.
الرئيس تبون، دخل هذه المرحلة الجديدة بتجديد الثقة من الشعب، مدعومًا بخبرة مكتسبة ومشاريع استراتيجية تم وضع أسسها منذ عام 2019.
ويتوقع المواطنون، إتمام برنامج التنمية الذي وضع الرئيس تبون، نواته في ولايته الأولى، خاصة فيما يتعلق بتحقيق النمو الاقتصادي وتعزيز مكانة الجزائر على الساحة الدولية.
خلال العهدة الأولى، ركز الرئيس تبون، على إعادة بناء المؤسسات ومحاربة الفساد، إلى جانب تدعيم الاقتصاد الجزائري، عبر برامج لتنويع مصادر الدخل وتخفيف الاعتماد على صادرات النفط والغاز.
ومن أبرز التحديات التي سيواجهها الرئيس، في هذه العهدة الثانية، هو تنفيذ هذه الاستراتيجية الاقتصادية، وسط ظروف عالمية مضطربة، وتقلبات أسعار الطاقة والأزمات الجيوسياسية.
الوعود بإصلاح النظام الضريبي، وتشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي، وتعزيز الأمن المائي والغذائي، دعم الشباب، السكن وحماية القدرة الشرائية، من بين النقاط المحورية التي ستظل في صلب اهتمام الحكومة الجديدة، في الوقت نفسه، من المنتظر أن تتسارع وتيرة المشاريع الكبرى، خاصة المتعلقة بالطاقة المتجددة والمواصلات والاتصالات.
لا تقتصر التحديات التي تواجه الرئيس تبون، على الجبهة الداخلية فقط، فالعالم يشهد تحولات جيوسياسية عميقة، تتطلب سياسة خارجية قوية ومتوازنة.
الجزائر، كواحدة من أكبر الدول الإفريقية من حيث الموقع الجغرافي والقدرات الاقتصادية والحركية الدبلوماسية، يتوقع أن تلعب دورًا محوريًا في إدارة الأزمات الإقليمية، خاصة في منطقة الساحل وشمال إفريقيا.
علاوة على ذلك، العلاقات مع القوى العالمية ستكون محورية في تعزيز مكانة الجزائر كفاعل دبلوماسي مؤثر، علاقات الجزائر، المتوازنة مع القوى الكبرى مثل روسيا والصين من جهة، ومع أمريكا والدول الغربية من جهة أخرى، ستبقى مفتاحًا لاستراتيجية دبلوماسية ناجحة، تهدف إلى حماية المصالح الوطنية وتحقيق التنمية المستدامة.
على الصعيد الاجتماعي، ينتظر المواطنون تحسينات ملموسة في قطاعات الصحة والتعليم والسكن، أزمة السكن، التي طالما كانت من الملفات الحساسة في الجزائر، تبقى أولوية قصوى في هذه العهدة، مع التوجه نحو تسريع وتيرة المشاريع السكنية وضمان توزيعها بشكل عادل، هي وحماية الاقتصاد والقدرة الشرائية.
فيما يتعلق بالإصلاحات السياسية، يتوقع الشعب الجزائري استمرار مسار تعزيز الديمقراطية والحريات العامة والفردية، مع تركيز أكبر على تمكين الشباب وتفعيل دور المجتمع المدني، الرئيس تبون، أظهر التزامًا بالإصلاحات السياسية، ويتوقع أن تستمر هذه الجهود بوتيرة أسرع خلال السنوات الخمس القادمة.
إن العهدة الثانية للرئيس تبون، تأتي في وقت دقيق، يمر فيه العالم بأزمات اقتصادية وسياسية متلاحقة، ومع ذلك، تتمتع الجزائر بفرصة ذهبية لأداء دور ريادي على المستويين الإقليمي والدولي.
تحقيق هذا الطموح يتطلب قيادة قوية ورؤية واضحة، لتجاوز التحديات وتحقيق التنمية الشاملة، حيث أن النظرة المستقبلية للرئيس تبون، تتمحور حول جعل الجزائر دولة صاعدة اقتصادياً، قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية بمرونة واستراتيجية محكمة.
مناقشة حول هذا المقال