عادت ظاهرة العنف في الملاعب لتتصدر المشهد الكروي في الجزائر في مشاهد تدمع لها العين ويحزن لها القلب وتجعل من حلاوة المباريات طعما مرا يتجرعه أنصار الفريقين وعناصر الأمن المكلفين بحماية المشجعين والأسرة الكروية بصفة عامة وأولياء المناصرين بصفة خاصة.
مظاهر العنف في الرابطتين المحترفة الأولى أو الثانية أو الأقسام السفلى لم تخلو منذ بداية الموسم الكروي الجاري الذي شارف على الانتهاء، ورغم وصول مظاهر العنف الى غاية وفاة مناصر من مناصري من مناصري مولودية الجزائر “ياسين صغيري” رحمه الله، متأثرا بالإصابة التي تعرض لها على مستوى الرأس بعد تلقيه حجرا طائشا على هامش تنقل النادي العاصمي لمواجهة نادي مقرة في إطار الجولة 23 من البطولة يوم 19 أفريل الماضي، الا أن الجماهير لم تتوقف عن مثل هاته السلوكيات التي من شأنها أن تشوه صورة الكرة الجزائرية في وقت تسعى فيه العديد من الدول لتلميع صورة دورياتها المحلية باستقطاب النجوم الكبار وتشييد الملاعب العالمية.
ما حدث أول أمس، في مباراة اتحاد الجزائر وشباب قسنطينة لم يكن بالنسبة لتلك الفئة من الجماهير الا امتداد للعنف الممارس في مباريات الدوري الجزائري منذ انطلاق الموسم، فاقتحام “فئة” (لا تمثل سوى نفسها) من أنصار نادي شباب قسنطينة لأرضية الملعب وتكسير الكراسي وتخريب أرضية الميدان والاعتداء على جماهير اتحاد الجزائر غير منطقي وغير مبرر كون المباراة لا تعد حاسمة الى حد بعيد في جدول ترتيب البطولة ولم تحدث فيها أي تجاوزات لا من طرف الحكام ولا من طرف اللاعبين ولا من طرف رجال الأمن الذين حاولوا احتواء الوضع وتعرض البعض منهم لإصابات بليغة.
أما بالنسبة لنا كصحفيين أو كإعلاميين فالأحداث التي وقعت في ملعب الشهيد حملاوي تجعلنا نتأسف وبشدة لما آلت اليه الكرة الجزائرية وتجعلنا ندق ناقوس الخطر كذلك وندعو الى تظافر جهود الجميع من أجل الحد من هاته الظاهرة التي دائما ما يكون آخرها تعريض حياة الناس للغير ومواجهة عقوبات قاسية تصل الى حد السجن لمرتكبي أعمال الشغب والمناصر البسيط في غنا تام عن كل هاته الأمور التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
المشاهد تكررت كثيرا هذا الموسم
وكما تم الإشارة له سابقا، فإن ما حدث في مباراة شباب قسنطينة واتحاد الجزائر من تكسير وتخريب ووقوع العديد من الإصابات في جماهير الطرفين وحتى في صفوف رجال الأمن لم يكن سوى امتدادا لموسم تعيس عاشته الكرة الجزائرية ولا نتمنى مشاهدته مستقبلا.
وبالحديث عن مظاهر العنف هذا الموسم لا يسعنا الا أن نستذكر أحداث مباراة اتحاد وادي سوف أمام نجم بن عكنون التي توقفت بسبب أحداث العنف، ولم تقتصر هذه الأحداث على ملعب واد سوف فقط وانما امتدت لملعب سطيف عندما واجهت المولودية وفاق سطيف على أرضية ميدانه وتخللت المباراة أعمال شغب غير مبررة، ملعب خنشلة كذلك كان شاهدا على اعتداءات مست الفريق الزائر اتحاد الجزائر مما أدى لوقوع إصابات متفاوتة الخطورة وسط الأنصار، حتى ملعب مصطفى تشاكر بالبليدة الذي أعيد فتحه بعد أشهر من أشغال تهيئته، تعرض للإتلاف في بعض مرافقه، بسبب دخول جماهير مولودية الجزائر في اشتباكات مع أنصار شباب الزاوية في لقاء كأس الجمهورية كردة فعلهم العنيفة من قرارات التحكيم، لتنتقل العدوى أيضا إلى ملعب 5 جويلية 1962 الذي تعرضت كراسيه للتحطيم بسبب عدم تقبل أنصار شباب بلوزداد هزيمتهم في المواجهة المحلية أمام اتحاد الجزائر.
وحتى في بطولة الهواة كانت بعض مبارياتها “دموية” على غرار مواجهة جمعية الخروب أمام شباب باتنة التي تعرض فيها لاعبو ومشجعو النادي الباتني، لاعتداءات مثلما كان عليه الحال في لقاء مولودية باتنة أمام اتحاد الحراش.
مظاهر العنف هذا الموسم وللأسف الشديد كانت كثيرة واستذكارها يدمع العين، لكن وجب علينا الوقوف عند كل واحدة منها ومشاهدة ما خلفته هذه التصرفات الصبيانية الطائشة الغير مقبولة والتي لا تمثل المناصر الجزائري المعروف بطريقة تشجيعه الفريدة من نوعها واللوحات الفنية الجميلة التي يرسمها في المدرجات.
كلنا مسؤولون أمام هذه الظاهرة التي تنخر جسد الكرة الجزائرية
الحديث هنا لن يكون عن مظاهر العنف في الكرة الجزائرية الذي لا يجعلنا نستذكر سوى تلك الصور المؤلمة التي أبكت الآباء والأمهات على حد سواء وجعلتهم يتحسرون على أفلاذ كبدهم، لكن الحديث سيكون عن المسؤول عن مثل هاته التصرفات التي أصبحت تنخر عظم الكرة الجزائرية.
وبالحديث عن المسؤولية تتجه الأنظار الى بعض رؤساء الأندية في الرابطة المحترفة الأولى أو الثانية والذين يدلون بتصريحات من شأنها أن تخلق نوعا من الكراهية بين الأندية من أجل تبرير اخفاقهم في مباراة دون أن يمتلكون أي أدلة أو براهين على تصريحاتهم، خاصة أولئك الذين يتهمون أندية بترتيب المباريات، لماذا يفضلون توجيه تصريحاتهم الى وسائل الإعلام عوض التوجه الى الجهات المختصة من أجل استرداد حقوقهم؟
تصرفات بعض اللاعبين كذلك، داخل المستطيل الأخضر في العديد من الأحيان تؤدي الى استفزاز الجماهير وتجعل المباريات تخرج عن اطارها الرياضي الذي يدعو الى التحلي بالروح الرياضية بين اللاعبين والجماهير على حد سواء.
بعض وسائل الإعلام كذلك، تستعمل بعض المصطلحات في تقاريرها التي من شأنها أن تخلق البلبلة بين الأنصار تتطور في بعض الأحيان لتصبح عبارة عن “شحناء” بين أبناء البلد الواحد.
وفي الأخير، نصل الى مسؤولية بعض “أشباه الأنصار” الذين لا يمثلون سوى أنفسهم والذين يؤدون بتصرفاتهم الى تشويه صورة أنديتهم بصفة خاصة وصورة الكرة الجزائرية بصفة عامة ولا مستفيد من هذه التصرفات التي تؤدي الى ما لا يحمد عقباه.
الإتحاد الجزائري لكرة القدم يباشر تحركاته للحد من هذه المشاهد
وفي أول رد فعل من الاتحادية الجزائرية لكرة القدم عبرت الهيئة الكروية في بيان نشرته عبر موقعها الرسمي عن أسفها “لأعمال العنف والتخريب التي وقعت في ملعب الشهيد حملاوي في قسنطينة بعد مباراة شباب قسنطينة واتحاد الجزائر والتي لا يمكن تجاهل هذه السلوكيات غير المقبولة والمستهجنة التي تشوه صورة رياضتنا، ويصبح من الضروري مكافحة هذه الآفة بقوة ومنع المخالفين والمخالفين المتكررين من إيذاء كرة القدم” بحسب ما جاء في البيان
وقرر الاتحاد الجزائري لكرة القدم وكإجراء احترازي برمجة مباريات الجولة 28 و29 من بطولة المحترف الأول دون حضور الجمهور، منع سفر الأنصار خلال الجولة الـ 30 والأخيرة ومطالبة اللجنة التأديبية بالتعامل مع هذه الوقائع الخطيرة بأكبر قدر من الصرامة والاجتهاد وإصدار الإجراءات التأديبية اللازمة، بالإضافة الى فتح تحقيق في ظروف تنظيم وسير لقاء شباب قسنطينة وظيفه اتحاد الجزائر.
الكرة الآن في مرمى اللجنة التأديبية التي تعتبر مطالبة أكثر من أي وقت مضى باتخاذ إجراءات تأديبية ردعية وصارمة في الوقت ذاته من أجل الحد من مثل هاته التصرفات وتجنبها مستقبلا.
بلال عمام
مناقشة حول هذا المقال