في كل سنة تمر علينا، واجب علينا أن نستذكر ونذكر الجزائريين والعالم وفرنسا خصوصا، يوم 13 فيفري 1960، اليوم الشاهد على وحشية الاستدمار الفرنسي إبان فترته الاستعمارية، وشاهد كذلك على ارتكابها أبشع وأفظع وأوحش التجارب، على الجزائريين. وتحديدا بمنطقة رقان في جنوب الصحراء الجزائرية…
استيقظ ساكنة الجزائر عامة، ورقان خصوصا، يوم 13 فيفري من عام 1960، على وقع جريمة حرب ضد الإنسانية، أقامها المستعمر الفرنسي، حين جرب أول قنبلة نووية، على مواطنين من المنطقة. وعلى مساجين كان قد اعتقلهم سابقا.
أقدم المحتل الفرنسي، على إطلاق عملية تجارب التفجير بالاعتماد على القنبلة الذرية، جريمة بثت على المباشر بالصوت والصورة، على مرأى الكل، بعد الكلمة التي ألقاها شارل ديغول، في نقطة التفجير بحموديا (65 كلم عن رقان المدينة)، قبل التفجير بساعة واحدة فقط، وأطلق عليه مسمي “اليربوع الأزرق”، بطاقة تفجير بلغت ما يقارب 60 كيلوطن، تلتها عدة قنبلات تجارب نووية في ذات المنطقة.
ارتكبت فرنسا جريمتها الشنعاء مع سبق الإصرار، بحكم أنها كانت تسعى للالتحاق بالنادي النووي آنذاك، بنية إظهار عظمتها للعالم مع مد المحتل والكيان الصهيوني لها.
التجارب النووية الفرنسية جريمة حرب في حق الانسان والطبيعة
أوضح الأستاذ الجامعي السابق والباحث في التاريخ والتراث، أحمد شفيق خليف، أن ”موضوع التجارب النووية وأول تفجير نووي لفرنسا، يعتبر جريمة حرب في حق سكان منطقة رڨان والجنوب. وفي حق الطبيعة ومختلف أشكال الحياة الطبيعية والتوازن الايكولوجي.
وأكد الأستاذ الباحث، أن “هذه التجارب، وما خلفته من إشعاعات ونفايات سامة، لاتزال تفتك بسكان الواحات القريبة من المنطقة، ما يجعلها تلوث الهواء والأرض والمياه الجوفية”.
مضيفا بالحديث عن سياق التفجيرات وجرائم المستعمر الفرنسي، أن “أحداث وهزائم متتالية، دفعت بأصحاب القرار في بيت المستعمر الفرنسي، بالتعجيل والحصول على السلاح النووي بكل الوسائل، بحيث كان ‘قرار انشاء قاعدة سرية لإجراء تجارب نووية، اتخذته السلطة الفرنسية وعلى رأسها ديڨول”.
وأوضح في السياق ذاته، أنه “كان يهدف بهذه الخطوات لترسيخ الادعاءات الفرنسية، بأن الصحراء الجزائرية ليست معنية بأي مفاوضات مستقبلية حول مصير الجزائر. واعتبارها إقليم منفصل عن الجزائر. وهو الموقف الذي عبرت عنه فرنسا، من خلال وفدها المفاوض مع أول لقاء مع الوفد الممثل للثورة الجزائرية سنة 1960”.
فرنسا لم تحترم القانون الدولي وارتكبت جريمة إنسانية بشعة
من جهته، أوضح الأستاذ والمؤرخ الجزائري محمد القورصو، أن “هذه الاحداث حملت شقين، الشق الأول متعلق برغبات المحتل الفرنسي للدخول في النادي النووي، أما الشق الثاني المرتبط بعدة عوامل”.
وأكمل يقول: “منها اعتقادها أن المنطقة تابعة للولايات الفرنسية، الغير أهلة للسكان، غير أن الاضرار الناجمة عن هذه التفجيرات كانت جسيمة في وقتها، خاصة بالنسبة للجزائريين”.
كما أشار الأستاذ، أن “من الاثار التي تركها المستعمر الفرنسي كانت مؤثرة، مُذكرة بالطالبة التي أشرف على تدريسها والتي أصيبت بسرطان جراء هذه التفجيرات الحادثة قرب منطقة سكنها”.
وأكد بالقول: ”الإشكال هو أن فرنسا لم تلتزم بما نص عليه القانون، وهذا من حيث التعويض وتنظيف المنطقة والمحيط، فهي اخترقت مختلف القوانين الدولية، وأقامت بهذا الأمر جرائم إنسانية وحشية وبشعة، راح جراءها العديد من شهداء الوطن”.
فرنسا لم تسلم حتى الآن أي خرائط عن أماكن تخزين نفايات وبقايا هاته التجارب
وعن آثار هذه التجارب على المحيط الطبيعي والسكان، قال الباحث أحمد شفيق خليف: ”رغم التفجيرات النووية التي قامت بها فرنسا على أرضنا، إلا أن الحكومة الفرنسية الى يومنا هذا، لم تقم بتسليم خرائط تحديد نقاط تخزين بقايا ونفايات هذه التجارب”، مؤكدا أنها “لم تقم بأي خطوة إنسانية تجاه الضحايا (من تعويضات، أو تحمل أعباء تحديد تنظيف المناطق الملوثة..)”.
وأشار المتحدث ذاته، بالقول: ”الرئيس تبون أوضح أن الجزائر لا تطالب تعويضات مادية، لأن أرواح ودماء الضحايا لا تقدر بثمن، ولكن الجزائر تجدد تمسكها بمطلب استرجاع خرائط المناطق الملوثة وتنظيفها”، مشيرا إلى أن “هذا الملف الحساس تعتبره الجزائر من الاولويات على طاولة المفاوضات بين الجانبين”.
وبالحديث عن ممثلي المجتمع المدني، أشار الأستاذ ان “هناك العديد من الجمعيات الوطنية من المجتمع المدني، التي تنشط وتناضل من أجل دفع وإرغام فرنسا على الاعتراف بجريمة التجارب النووية في الصحراء، منها جمعية (الغيث القادم)، التي تحيي كل سنة هذه الذكرى الأليمة”.
حقائق عن التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية:
- استشهاد 42 ألف جزائري جراء أول قنبلة نووية فرنسية
- أضرار في البيئة والانسان والحيوان مازالت الى يومنا هذا
- قامت فرنسا الاستعمارية بعمل 57 تجربة نووية في الصحراء الجزائرية
- فجرت فرنسا الاستعمارية 17 قنبلة نووية، أربعة منها بالجو، و13 في باطن الأرض.
- 24 ألف شخص تعرضوا لمشكلات بسبب هذا الإشعاع منهم 150 سجينا جزائريا.
- 30 ألف شخص تعرضوا لأمراض نتيجة هذه التجارب النووية.
- وصف شهود الاختبارات النووية بأنها أكثر الأشياء وحشية التي رأوها في حياتهم.
- تأثر ما بين 27 ألفاً و60 ألف جزائري، بمستويات عالية من الإشعاع.
- كانت قوة أول قنبلة فرنسية تم تفجيرها في الجزائر، تكافئ قوة 4 قنابل، مثل قنبلة هيروشيما، القنبلة الأمريكية، التي تم إلقاؤها على مدينة هيروشيما اليابانية، في نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945.
- أجرت فرنسا آخر تجربة نووية لها بالجزائر في 16 فبراير 1966
آثار الجريمة مازالت إلى اليوم. .
اليوم وبعد مرور عقود طويلة عن تلك التفجيرات، ما تزال الآثار الحية مستمرة في البشر.
رصدت التقارير جنوداً جزائريين، أصيبوا بآثار إشعاعات نووية، سببت أمراضاً سرطانية وجينية، جراء أداء واجبات الخدمة العسكرية في تلك المناطق.
كما ان السكان المحليين بالقرب من مواقع الاختبار في الصحراء، ما يزالون يعانون من آثار الإشعاعات، مع تشوهات خلقية وأمراض خطيرة “تنتقل عبر الأجيال”، بالإضافة إلى الإصابة بالعديد من أنواع السرطانات، وكان أبرز الأعراض، ظهور تشوهات وأمراض ذات طبيعة سرطانية معقدة، مصحوبة بترقق العظام.
وقالت تقارير أجنبية، أنه تم رصد إشعاعات نووية، في مجوهرات وحلي تقليدية، عاد بها سياح أجانب إلى بلدانهم، والسبب أن الحرفيين صنعوها من أسلاك معدنية وقطع حديدية ومواد أولية، جُلبت من مناطق شهدت تفجيرات ذرية على التخوم، ما دفع السلطات الجزائرية إلى غلق كافة المناطق ذات الخطر الإشعاعي في وجه العابرين.
وفي فيفري 2021، هبت الرياح محملة بالرمال الصحراوية من الجزائر، وعبرت البحر الأبيض المتوسط، وتحولت السماء في بعض مناطق أوروبا إلى اللون البرتقالي، وحملت الرمال مستويات عالية من الإشعاع على نحو غير معهود.
وفي الجزائر، بالقرب من مواقع التجارب النووية، اكتشفت الدراسات التي أُجريت خلال السنوات، أن معاناة السكان المحليين من التجارب تواصلت، مع وجود عيوب خلقية لدى المواليد وأمراض خطيرة “انتقلت عبر الأجيال، بالإضافة إلى أنواع عدة من مرض السرطان”.
فضلا عن تشوهات خلقية في الحيوانات (كالعقرب ذو الذيلين) والنبات، وعدم صلاحية بعض المياه الجوفية والواحات.
إعداد: عالم الأهداف/ سادات يمينة – عليوان شكيب
مناقشة حول هذا المقال