بمناسبة اليوم 13 فيفري، الذي يعتبر ذكرى لا يجب أن تمحى من ذاكرة الجزائر، يجمعنا حوار مع الأستاذ الأكاديمي والمؤرخ في تاريخ الجزائر، محمد الأمين بلغيث، حول التجارب النووية الفرنسية بالصحراء الجزائرية وخصوصا منطقة رقان، أين فجرت اول قنبلة نووية، سميت بـ “اليربوع الأزرق”، تفاصيله..
- في البداية، ماذا يمثل تاريخ 13 فيفري 1960 بالنسبة للجزائر والجزائريين؟
يمثل تاريخ 13 فيفري/فبراير 1960، في ذاكرة الجزائريين المشتركة، جريمة عابرة للقارات وللتاريخ البشري، لأن فرنسا. وهي تفجر قنبلة اليرابيع الثلاث، تعلن عن دخولها نادي الدول المالكة للسلاح الاستراتيجي، على حساب أمة وشعب تحت نظرها، في حوزة الدولة الفرنسية، أيام الجمهورية الخامسة بقيادة الجنرال ديغول، أكبر مجرم عرفته الإنسانية. لأنه رهن منطقة بأكملها[ رقان، حمودي، إين كر لملايين السنين] فقد قضت اليرابيع الثلاثة، على الحياة ومظاهرها، تلويث المياه الجوفية، القضاء على الغطاء النباتي. وجريمة تشويه جينات ساكنة المنطقة وإلى الأبد، كما تعبر عنه الدراسات العلمية الجادة.
- ماهي الدوافع والأهداف التي دفعت فرنسا إلى إجراء هذه التجارب بالجنوب الجزائري؟
كانت دوافع فرنسا، هو كسب السلاح الذي لن يسمح مالكه مرة ثانية تعرضها للاحتلال الأجنبي، فقد كانت تسابق الزمن من أجل اللحاق بنادي الدول التي كسبت القنبلة النووية [أمريكا، الاتحاد السوفياتي آنذاك، بريطانيا] لهذا أصبحت الدولة النووية الرابعة في العالم، عقب تفجيرها لقنبلتها النووية المشبوهة، يوم 13 فيفري/فبراير 1960م.
كان “ديغول“، يسعى من أجل الخروج من دائرة الطوق الأمريكي التي ظهرت عقب التطويق الاقتصادي والعسكري، الذي جاء بعد التفوق الاقتصادي. والذي ظهر بعد الهيمنة السياسية الأمريكية. وفي غياب الوعي الإقليمي والدولي، وجدت فرنسا في منطقة آمنة بالوطن العربي والقارة الإفريقية، لتقوم بتجاربها النووية الباطنية والجوية. وفوق الأرض الصحراوية الجزائرية الآمنة، قامت فرنسا بتنفيذ مخططاتها الإجرامية دون أي اعتبار للبيئة والإنسان، لأن الساسة الفرنسيين ما يزالون في حلمهم لفرض عقدة الرجل الأوروبي. والدولة العظمى المتفوقة.
وبحكم تغير موازين القُوى في عالم الخمسينيات، إذ لم تعد هناك قيمة تذكر للمستعمرات التقليدية والإمبراطوريات التي لا تغيب عنها الشمس، بل صار عنصر القوة واحدًا وهو امتلاك أحدث الأسلحة. وخاصة السلاح الاستراتيجي “النووي”، الذي عرفته العلاقات الدولية من خلال ” توازن الرعب”، الواقع بين العملاقين الأمريكي والسوفيتي، ولهذا بدأت فرنسا في عهد ديغول، بتنفيذ مشاريعها النووية حتى لا تُقْصى إلى الأبد من نادي الأقوياء، لأنها لا تملك القوة الاقتصادية القادرة على مواجهة المنافسة الشديدة داخل “العالم الحر”، إذ إن قوتها العسكرية والاقتصادية قد تحطمت أثناء الحرب الكونية الثانية، واستنزفت ميزانيتها الكبيرة في حربها الخاسرة بالجزائر، لولا المساعدة الأمريكية من خلال مشروع مارشال، الذي أدخلها تحت المظلة الأمريكية رغم مراوغات العجوز ديغول، للتملص من الهيمنة العسكرية والاقتصادية للسيد الأمريكي الجديد، محرر باريس وفرنسا جميعًا. وهي عقدة الفرنسي ساسة ونخبة ثقافية وعلمية إلى اليوم.
إن التجارب والدراسات والأبحاث الفلكية والجيولوجية التي هيأت فرنسا في الصحراء، كانت كلُّها تصب في خانة المنافسة العالمية من أجل امتلاك “قوة الردع“. وفرض سيطرتها في أوروبا وإفريقيا، ومراقبة هذه المنطقة. والالتحاق بركب أمريكا والاتحاد السوفيتي في إنجازاتها الفضائية والإستراتيجية، نظرًا لما يحتويه هذا البعد من قوة لفرنسا. وتعويض عقدة جيش فرنسا المنهزم عسكريًّا أثناء حروبها في أوروبا والهند الصينية والجزائر، إن الهدف الحقيقي الذي طرحه الجنرال “ديغول“، كما تثبت الدراسات الحديثة، هو ضرب الانقلابيين الذين قاموا بمناوراتهم في 13 ماي 1958م. ورهن الثورة والشعب الجزائري من أجل إقناع الرأي العام الفرنسي والرأي العام الدولي، أن فرنسا لا تزال الدولة العظيمة والقوية.
لهذا فإن تجارب فرنسا النووية في الجزائر، كان منطلقها العَظَمة المزيفة، التي صاحبت الدولة الفرنسية طويلا، إلا أنها لا تخفي جريمتها في حق الإنسانية الخرساء. والشعب الجزائري الذي انتقم “ديغول”، من ثورته التي لقنته الدروس العسكرية في الجبال والمدن والوهاد والسهول. وحتى في عقر دار العدو فرنسا.
ومع هذا فتجارب فرنسا النووية، هي الورقة الأخيرة للضغط على المفاوض الجزائري. وإقناع العالم بحتمية “فَرْنَسَةِ الصَّحْرَاء” لأنهم هم الذين مهدوا السبل ومدوا خطوط السكك الحديدية وأقاموا المنشآت البترولية. وأحدثوا مجالات للصناعة، كما أقنعوا شركاءهم بأن الصحراء مكان جيد لردم النفايات الأوروبية في فضاء خال هو ملك فرنسا وحدها، دون بقية الدول الإفريقية، والجزائر بصورة خاصة، رغم الرفض العالمي لخطوات ومغامرات فرنسا منذ جوان 1958 إلى جويلية 1962م.
وارتبط مشروع فرنسا النووي، بالمشروع النووي الصهيوني، فمشروع هاته الأخيرة، التي توكله لفرنسا واضح مثل ما وقع ذات 13 فيفري/فبراير. أثناء التفجيرات النووية لليرابيع الثلاثة في رقان وحمودي وإينكر عام 1960م، بل وتجارب فرنسا النووية في بلادنا إلى غاية 1966م.، لهذا تنزعج فرنسا من ملامح ما تسمع عن جزائر جديدة متحفزة تسعى لرفع الوصاية الفرنسية على بلادنا، فلهذا نحن نأمل ألا نموت وأحلامنا ستعرف تبخرا بعودة نفس وجوه المشهد السياسي السابق الذي يحتقر هذا الشعب. ولعل ما شاهدنا من خسة ونذالة في القنوات الخاصة من شتم لأم المؤمنين السيدة الكريمة خديجة زوج نبينا الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم. وتكرار الإهانات التي تصفع العائلة الجزائرية في قيمها، تتركنا نترحم على اليتيمة.
- ماهي الآثار الصحية والبيئية والاجتماعية لهذه التجارب على السكان المحليين؟
إن تجارب القرن العشرين النووية، جرائم حرب نووية، شهدتها اليابان والجزائر، بإسقاط وتفجير القنابل الذرية الانشطارية على أراضي هذه البلدان.
وتسود دائمًا سياسات تضليلية وإعلام مقصود من قبل الدول الكبرى عندما يتعلق الأمر بمدى الأضرار والأخطار المترتبة عن التلوث الإشعاعي الناتج عن التجارب النووية أو عن دفن النفايات النووية في بعض المناطق من العالم. ويزداد التضليل كلما تعلق الأمر بمصير فئات كبيرة من سكان البلدان المنكوبة التي وضعتها سياسة الاحتقار للإنسان. وجهًا لوجه مع الموت والمرض والتلوث. ويكفي أن نعرف أنه بعد أربعين سنة، لا يزال أهل رقان ومثلث الموت الذي يزيد عن 1000 كلم2 الذي يتعرض للإشعاع، وفي غياب الوعي النووي والوعي بتلوث المكان والجو والمحيط. فإن الأمية النووية مقصودة من الجميع. ويكفي أن أهل المنطقة وإلى اليوم لا يزال معظمهم بما فيهم المتعلم يجهلون التأثير الإشعاعي للمكان والنفايات بل مراسل التلفزيون من بشار يسأل ويطلب من العلماء إذا كانت زيارة المواقع خطرة على الزوار وتلاميذ المدارس.
ومما علمنا من أهل الاختصاص ومن الأطباء في الفيزياء النووية والأشعة بما فيها ذات الاستعمال الطبي فإن مخاطر التلوث والتأثير على البيئة والإنسان لا تزال حاضرة في فضاء مثلث رقان. وقد يبقى حسب الدراسات العلمية الحديثة الإشعاع آلاف السنين، وعليه فإن تحسيس المواطنين بمختلف العواقب من الضرورة بمكان حتى لا تزداد التأثيرات النووية خطورة على المحيط والإنسان والحيوان. كما عبر عنها المرحوم بإذن الله الدكتور[ عبد الكاظم العبودي، التجارب النووية الفرنسية ومخاطر التلوث الإشعاعي على الصحة والبيئة في المدى القريب والبعيد (كتاب سلسلة الندوات) (التجارب النووية الفرنسية في الجزائر دراسات وبحوث وشهادات، منشورات المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954م ص: 85].
ماهي المطالب من أجل الكشف عن حقيقة هذه التجارب والحصول على التعويضات والاعتذار؟
بلغ التعتيم على الجريمة النووية الفرنسية في أرض الجزائر مداه. ورغم مرور عقود ستة عن التجربة إلا أن فرنسا لا تزال تتكتم عن أرشيف هذه المحطة المخزية في تاريخ فرنسا حقوق الإنسان والعدالة والحرية. وغيرها من الخرافات التي سقطت في مواجهة الثورة الجزائرية، كما سقطت الآن القوانين وحقوق الإنسان ومحكمة الجنايات الدولية. وغيرها مما صدع الغرب بها رؤوسنا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لا يسترد صاحب الحق حقه إلا بالسلاح. وسينتصر الدم على الحديد طال الزمن أو قصر .
- ماهي المصادر والوثائق المتاحة لدراسة هذا الموضوع وماهي الصعوبات والتحديات التي يواجهها الباحثون؟
مصادرنا المتاحة كما ما هو منشور من أعمال ملتقيات المركز الوطني للدراسات والبحث في تاريخ الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954م. وما نشر المرحوم كاظم العبودي وغيرها من الأعمال الجادة التي تؤرخ لهذه الجريمة، ستلاحق فرنسا في كل مكان بكل ما هو متاح لنا. حتى ننتصر كأسلافنا أو نُقبر بين الرمم.
عالم الأهداف/ حوار: بلال عمام
مناقشة حول هذا المقال