يُعتبر نادي أتليتيك بارادو أحد أفضل الأندية الجزائرية من ناحية اللعب الجماعي، حيث يطبق لاعبوه كرة قدم جميلة وعصرية، ويملك هذا النادي العاصمي أكاديمية لتكوين اللاعبين تعد من بين أشهر الأكاديميات في إفريقيا، كما يتميز بالاستقرار المالي والإداري الذي حققه بفضل سياسته في التسيير.
نشأة نادي بارادو
تأسس نادي أتليتيك بارادو عام 1994 بحيدرة بالعاصمة على يد رجل الأعمال الجزائري خير الدين زطشي، هذا الأخير وبحكم شغفه بعالم الساحرة المستديرة استهدف إنشاء أول أكاديمية جزائرية لتكوين لاعبي كرة القدم، وفي عام 2007 تحقق هذا الهدف وتم تدشين الأكاديمية، واستعان زطشي بالخبير الفرنسي جون مارك غيو من أجل تكوين اللاعبين، حيث أراد الاستفادة من خبرة التقني الفرنسي الذي كانت له تجربة ناجحة مع نادي أسيك ميموزا الإيفواري، وبعد عشر سنوات من إنشاء الأكاديمية بدأ النادي العاصمي يقطف ثماره الأولى ويصدر بعض اللاعبين إلى أوروبا.
تصدير اللاعبين المميزين إلى أوروبا .. نقطة قوة نادي بارادو
يُعد أتليتيك بارادو النادي الجزائري الوحيد الذي يسير نفسه بنفسه دون انتظار دعم الدولة أو السلطات المحلية، حيث يعتمد على خطة تقوم على التطوير والتكوين الجيد للاعبين منذ الصغر، ومن ثم بيعهم إلى أندية أوروبية بدرجة أولى، وإلى أندية جزائرية وتونسية ومغربية بدرجة ثانية، هذه الخطة المنتهجة من قبل إدارة “الباك” جعلت النادي يحقق أرباحا كبيرة، فصفقة انتقال هشام بوداوي إلى نيس الفرنسي، على سبيل المثال، قُدرت قيمتها بأربعة ملايين يورو، كما حققت صفقات تحويل عطال، بن سبعيني، زرقان، وقادري أرباحا مماثلة مكنت الإدارة من تسيير شؤون النادي بأريحية. وخلال الميركاتو الصيفي المنقضي، استطاع نادي بارادو تحويل بعض لاعبيه البارزين خارج الوطن، على غرار أحمد نذير بن بوعلي الذي انتقل إلى نادي شارلوروا البلجيكي، حمزة موالي الذي أُعير لنادي لافال الفرنسي، والدولي الجزائري رياض بن عياد الذي وقع مع الترجي الرياضي التونسي.
الاستقرار المالي والإداري
لقد أثبتت السياسات المنتهجة من طرف عائلة زطشي نجاعتها في العديد من الجوانب، حيث سمحت للنادي بسد حاجياته المالية وجعلته يحافظ على استقراره المالي والإداري. ولم يسبق لأي لاعب من لاعبي نادي بارادو أن اشتكى عدم تلقي مستحقاته، كما لم يلجأ أي من لاعبيها السابقين إلى لجنة المنازعات من أجل مستحقات عالقة أو شيء من هذا القبيل، هذا الوضع جعل النادي يتفادى المشاكل الداخلية وإضرابات اللاعبين التي من شأنها أن تؤثر على الأداء العام للفريق.
الاعتماد على أبناء النادي وعدم التعاقد مع “النجوم”
على خلاف العديد من الأندية الجزائرية التي تلجأ إلى انتداب أسماء معروفة في الساحة الكروية المحلية، يفضل نادي بارادو وضع الثقة في أبناء النادي من خريجي الأكاديمية، فخلال كل بداية موسم يقوم الطاقم الفني بترقية بعض الشبان الذين لا يتجاوز سنهم العشرين عام، وإعطائهم الفرصة من أجل اللعب مع الأكابر والبروز، بهذه الطريقة يضمن النادي عناصرا تطبق الفلسفة الكروية الخاصة بالفريق، كما يزيد من حظوظ هؤلاء الشبان في الاحتراف خارج الوطن. ويُعتبر الأتليتيك أقل الأندية الجزائرية نشاطا خلال فترات الميركاتو، حيث يكتفي غالبا بتدعيم منصب حراسة المرمى، وهو ما حدث خلال الموسم الماضي عندما تعاقدت إدارة الفريق مع الحارس الدولي عبد الرحمان مجادل.
فريق بدون ضغط جماهيري
يمتلك نادي بارادو أصغر قاعدة جماهيرية من بين جميع الأندية الناشطة في القسم الوطني الأول “مع احترامنا لجمهور الأصفر والأزرق”، هذا الأمر منح القائمين على النادي فرصة العمل في هدوء تام. وتعاني الأندية الجماهيرية في الجزائر على غرار مولودية العاصمة، شبيبة القبائل، ومولودية وهران من ضغط جماهيرها الذي يصل في بعض الأحيان إلى درجة التدخل في الشؤون الداخلية والأمور الإدارية، وموازاة مع ذلك، تعيش هذه الأندية تحت ضغط ضرورة تحقيق النتائج الإيجابية والألقاب، على عكس نادي بارادو الذي يملك الأريحية في إعطاء الفرصة للشباب وتسيير الفريق باحترافية.
علاقات ممتازة مع الأندية الأوروبية وسمعة طيبة في القارة العجوز
لقد استطاع “الباك” أن يحقق شهرة عالمية بفضل سياسته التكوينية، فبعد النجاح الكبير الذي وصل إليه بن سبعيني وعطال وزرقان وغيرهم، أصبح النادي العاصمي محط أنظار الكثير من كشافي المواهب الأوروبيين الذين يسعون وراء العصافير النادرة واكتشاف المواهب. ويملك نادي بارادو علاقات ممتازة مع الأندية الأوروبية بشكل عام، والفرنسية والبلجيكية بشكل خاص، بحكم احتراف العديد من خريجي الأكاديمية في الدورين الفرنسي والبلجيكي.
التقني الفرنسي سيدريك لونغو: “فلسفة اللعب والتكوين أهم ما يميز نادي بارادو“
في حوار مقتضب جمعنا بالمدرب السابق لأواسط نادي بارادو، الفرنسي سيدريك لونغو، كشف لنا هذا الأخير عن أهم النقاط التي تميز “الباك” عن بقية الأندية الجزائرية، حيث قال: “يتميز أتليتيك بارادو عن بقية الأندية الجزائرية من حيث فلسفة اللعب والتكوين، وكذا من حيث الاستثمارات البشرية والمالية المخصصة، هناك أيضا شباب بلوزداد الذي بدأ يستثمر في مجال تكوين اللاعبين الشباب”، وعن المواهب الشابة التي يملكها النادي، قال أيضا: “لن أذكر أسماء معينة، لكن نادي بارادو يملك الكثير من المواهب الشابة، في كل فئة عمرية هناك ثلاثة لاعبين على الأقل ممّن يستحقون اهتمام الأندية الأوروبية”.
وختم التقني الفرنسي حواره معنا بالحديث عن تجربته مع النادي العاصمي خلال الموسم الماضي، قائلا في هذا الصدد: “لقد أحببت العمل في الأكاديمية، حتى أن رئيس النادي وضع في الثقة للعمل مع فريق الأكابر، السيد خير الدين زطشي رجل قوي وشجاع”، وأضاف: “خلال فترة تواجدي بالجزائر، التقيت العديد من الأشخاص الطيبين، لدي أصدقاء في هذا البلد وأتمنى أن ألتقي معهم في المستقبل”.
اللاعب كحيلي بن أحمد: “مدربو الأكاديمية يشجعوننا دوما لتقديم الأفضل“
وفي نفس السياق، تحدث لنا مهاجم نادي بارادو لفئة الأواسط، كحيلي بن أحمد، عن التجربة التي يعيشها مع “الباك”، حيث صرح قائلا: “أنا أعمل بجد منذ التحاقي بأكاديمية بارادو عام 2018، النادي يملك أجهزة رياضية ومرافق تساعد اللاعبين على التدرب بشكل أفضل، كما يتميز القائمون عليه بالصرامة والتواضع في نفس الوقت”، وأضاف: “مدربو الأكاديمية ينصحوننا بالمواظبة على الصلاة، والاجتهاد في الدراسة، إضافة إلى العمل بجد أثناء التدريبات، هم يتابعون كل صغيرة وكبيرة ويشجعوننا دوما لتقديم الأفضل”.
وعن طموحاته المستقبلية، قال إبن مدينة عين تيموشنت: “أسعى لتشريف ألوان نادي بارادو الذي قدم لي الكثير، كما أطمح للوصول إلى المنتخب الوطني الأول، هذا الأمر سيجعل والداي فخوران”.
تجربة بارادو يجب أن تعمم
لا شك أن أتليتيك بارادو خدم كرة القدم الجزائرية كثيرا في السنوات الخمس الأخيرة، سواء من خلال تكوين لاعبين مميزين وقادرين على اللعب في صفوف أعرق الفرق الأوروبية، أو من خلال تدعيم المنتخب الوطني بعناصر قادرة على تقديم الإضافة، أو حتى من خلال خلق سمعة طيبة للبطولة الوطنية وتلميع صورة الكرة الجزائرية. وتأمل الجماهير الكروية الجزائرية أن تُعمم تجربة “الباك” على بقية الفرق المحلية، وأن تسلك هذه الفرق نفس طريق النادي الأصفر والأزرق الذي حقق ما حققه بالتخطيط والتسيير العقلاني والاستثمار في الطاقة الشبابية الجزائرية.
محند علي طارق
مناقشة حول هذا المقال