“ربط الجامعة بقطاعات الإنتاج من شأنه أن يؤدي الى إلى قفزة نوعية في تطور المجتمع والبلاد في شتى المجالات والميادين”
“دراسة السلوك البشري وفهمه لا يمكن أن ينفصل عن فهم البيئات الثقافية التي يقع فيها هذا السلوك”
“ملف الذاكرة ملف مهم جدا ينبغي أن يتولى متابعته علماء من ذوي الاختصاص في التاريخ وعلم الاجتماع وعلم النفس وغيرهم”
فتح البروفيسور مصطفى عشوي قلبه لجريدتنا جريدة عالم الأهداف، وتحدث عن العديد من القضايا التي تهم الأسرة التربوية وقطاع التعليم خاصة وأن أبناءنا مقبلون على امتحانات نهاية السنة الدراسية.
وتحدث البروفيسور خلال حواره عن التحديات والتحولات التي يشهدها قطاع التعليم في الجزائر، بالإضافة الى مساعي الدولة في ربط الجامعة بقطاعات الإنتاج بغية جعلها قاطرة التنمية.
كما عرج مصطفى عشوي في حديثه عن استعمال الشباب للوسائط الرقمية وكيفية مرافقتهم من أجل الاستفادة من مزاياها وتجنب سلبياتها، فضلا عن حديثه عن علم النفس عبر الثقافي وختامه بالحديث عن جرائم الإستعمار وملف الذاكرة.
يعرف قطاع التعليم العالي في الجزائر مساع جادة من أجل ربط الجامعة بقطاعات الإنتاج وجعلها قاطرة التنمية كيف تتابعون هذه الخطوات؟
هذه خطوات مهمة جدا، ونتابعها باهتمام كبير؛ إذ ستؤدي إلى قفزة نوعية في تطور المجتمع والبلاد في شتى المجالات والميادين بشرط أن تكون وفق خطة استراتيجية طويلة المدى تقسم إلى مراحل في المدى القريب، المدى المتوسط والمدى البعيد.
وينبغي أن تكون لهذه الخطة رؤية ورسالة واضحتين، وأهداف محددة تحديدا دقيقا، وقابلة للقياس الكمي والكيفي، كما ينبغي حشد الموارد البشرية المدربة، والموارد المالية الكافية، والموارد التقنية الضرورية لإنجاح هذه الخطة.
في تصوركم ما هي أسس وعوامل تطور المنظومة التربوية في الجزائر؟
لقد تطورت المنظومة التربوية منذ استرجاع السيادة الوطنية تطورا كبيرا على المستوى الكمي سواء كان ذلك من حيث عدد الخريجين في كل مراحل التعليم أم من حيث عدد الهياكل والموارد البشرية والمالية المخصصة للمؤسسات التربوية.
ومن المؤكد من خلال الملتقيات والمؤتمرات التي عقدت، ومن خلال الدراسات التي نشرت أن المنظومة التربوية في الجزائر في حاجة ماسة للتطور في كثير من الجوانب والعوامل.
ومن أهم هذه العوامل: التركيز على ترقية “الجودة” وضمانها في كل أركان هذه المنظومة، الإهتمام أكثر بمدارس إعداد المعلمين والأساتذة من حيث الكم والكيف (الجودة) واعتبارها أولوية مهمة وعاجلة، اختيار المعلمين الأكفاء وفق شروط موضوعية، إعطاء مكانة نوعية للمعلمين والأساتذة، التركيز في التدريس على مواد أساسية مثل القراءة والعلوم والرياضيات مع أعمال تطبيقية داخلية وخارجية لترقية السلوك الفردي والجماعي، وتنمية الحس الحضاري والذوق الجمالي والتنشئة على الأخلاق السامية في المعاملات، تشجيع البحث العلمي التربوي الموضوعي، وإبعاد المدرسة عن التأثيرات الذاتية والإيديولوجية، والصراعات الحزبية الضيقة.
وذلك كله لتحقيق قفزة نوعية في تنمية المجتمع الجزائري، وتطوير البلاد في شتى المجالات.
الشاب الجزائر اليوم يعيش ضمن بيئة رقمية، كيف نخاطبه وكيف نرافقه؟ وكيف ترون دور مؤسسات التنشئة الاجتماعية في هذا الجانب؟
نلاحظ أن كثيرا من أطفالنا وشبابنا يتعاملون مع البيئة الرقمية بمهارات أعلى من مهارات آبائهم وأمهاتهم إلا أن هذا لا يخلي مسؤولية هؤلاء في مرافقة أبنائهم وتوجيههم للتعامل بذكاء وفطنة مع الأجهزة الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة حتى لا تؤثر سلبا على أخلاقهم ودراستهم وسلوكهم بصفة عامة مع تشجيعهم على التفوق في الرياضيات وتحبيب الذكاء الاصطناعي لهم.
ويكون ذلك بالتوجيه الرشيد والحكيم للأطفال والشباب نحو الاستعمال المفيد للرقمنة وبرامجها كما يكون ذلك في الاستثمار الذكي لإنتاج محتويات مفيدة وصالحة للأطفال والشباب في شتى المجالات وفق خطط علمية مدروسة يشارك فيها مختصون في ميادين التربية وعلم الاجتماع وعلم النفس والإخراج والذكاء الاصطناعي.
لكم حضور ومساهمات في تخصص علم النفس عبر الثقافي، ماذا عن هذا التخصص وكيف يمكن استثماره في تأثير الثقافة الجزائرية؟
تخصص علم النفس عبر الثقافي تخصص مهم جدا حيث يبين لنا من خلال الدراسات والبحوث التي تنشرها جمعيات علمية راقية في هذا التخصص مثل الجمعية العالمية لعلم النفس عبر الثقافي التي أنا عضو فيها منذ سنوات أن دراسة “السلوك البشري” وفهمه لا يمكن أن ينفصل عن فهم البيئات الثقافية التي يقع فيها هذا السلوك.
وبالتالي، فإن فهم السلوك الفردي والجماعي والعمل على ترقيته في المجتمع الجزائري يتطلب فهم الثقافة الأساسية لهذا المجتمع بأبعادها المختلفة: الدين، القيم، اللغة (اللغات)، العادات والتقاليد والأعراف إلى جانب فهم الثقافات الفرعية في هذا المجتمع، وتأثير كل ذلك في السلوك إيجابا أو سلبا.
ويمكننا هذا التخصص أيضا من مقارنة سلوك ما في البيئة الثقافية الجزائرية ومدى تشابهه أو اختلافه عن نفس السلوك في بيئة ثقافية مغايرة؛ وذلك كمقارنة سلوك التعاون في البيئة الثقافية الجزائرية التي تركز على القيم الجمعية على نفس السلوك في بيئة ثقافية تركز على القيم الفردية مثلما هو الشأن في البلدان الرأسمالية. ولا شك أن هذا الفهم يساعدنا في فهم سلوك الآخرين ومدى تأثره بثقافاتهم مما يساعدنا على التعامل معهم على أساس واع ومفيد في شتى الميادين.
كتبتم حول جرائم الاستعمار الفرنسي في حق الجزائريين أطلقتم عليها وصف صدمة الإستعمار، ما المقصود بذلك وكيف تنظرون وتتابعون ملف الذاكرة بين الجزائر وفرنسا؟
لقد عشت مرحلة من طفولتي المبكرة تحت وطأة الاستعمار الفرنسي الوحشي للجزائر، وشاهدت بعيني قصف الطائرات الحربية الفرنسية للأطفال وللنساء في الحقول بالريف الجزائري دون أي شفقة أو رحمة، وشاهدت كثيرا من الأحداث الصادمة الأخرى مثل الدخول عنوة إلى البيوت وتخريب كل ما فيها أو الاستيلاء على بعض الأشياء منها، واغتصاب بعض النساء، وتعذيب بعض الرجال والنساء وذبحهم في قرية أخوالي وحرق جثثهم بكل وحشية…هذه الأحداث شكلت صدمات نفسية كثيرة لدى أطفال تلك المرحلة بل حتى عند كثير من الرجال والنساء والشيوخ لايزال بعضهم يعانيها بدرجات متفاوتة.
لذا، فإن ملف الذاكرة ملف مهم جدا ينبغي أن يتولى متابعته علماء من ذوي الاختصاص في التاريخ وعلم الاجتماع وعلم النفس وغيرهم. وإسهاما في هذا المجال، فقد كتبت عن صدمة الاستعمار كما كتبت “مذكرات مجاهد من أكفادو” وهي مذكرات خالي المجاهد محرز شعبان أحد جنود العقيد عميروش رحمه الله في الولاية الثالثة، كما كتبت مقالا عن دور المثقفين الجزائريين في التصدي للحرب النفسية الفرنسية أثناء ثورة التحرير. وهذا مجهود متواضع في ملف خطته دماء ملايين الشهداء، وأحزان ودموع ملايين الأرامل واليتامى وآلام ملايين السجناء والمنفيين والمهجرين…مما يستدعي عدم المساومة في هذا الملف.
من هو البروفيسور مصطفى عشوي؟
مصطفى عشوي أستاذ متخصص في علم النفس وعلم الإدارة. تخرج من الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1983، ودرس في جامعة الجزائر لمدة 12 سنة ثم درس واشتغل في كل من ماليزيا والسعودية والكويت.
شغل عدة مناصب إدارية وعلمية في كل من الجزائر وماليزيا والكويت. وعلى سبيل التدقيق:
تقلد الدكتور عشوي مناصب ادارية عدة أهمها: نائب مدير معهد علم النفس للشؤون البيداغوجية في جامعة الجزائر، ثم مدير الدراسات والبحث في المعهد الوطني للدراسات الإستراتيجية الشاملة بالجزائر، وشغل منصب نائب عميد للشؤون اﻻكاديمية، وعميدا لمركز البحث العلمي بماليزيا.
يشغل منذ2011 منصب نائب رئيس الجامعة العربية المفتوحة للبحث والتخطيط والتطوير بالمقر الرئيس في دولة الكويت الشقيقة.
عضو الجمعية العالمية لعلم النفس عبر الثقافات، وزميل الجمعية الأمريكية لعلم النفس.
له مقاﻻت عديدة في مجلات وطنية وإقليمية وعالمية، في علم النفس والتربية والإدارة، وله إسهامات في مجاﻻت اﻻرشاد النفسي والتدريب والتطوير واﻻستشارات اﻻدارية…
من كتبه المنشورة :
علم النفس المعاصر
المدرسة الجزائرية الى أين؟
أسس علم النفس الصناعي التنظيمي
الإنسان في فكر ابن القيم الجوزية
مذكرات مجاهد من أكفادو
البلخي… نفساني سبق عصره (بالاشتراك مع الدكتور مالك بدري).
الشخصية الجزائرية: دراسة نفسية ميدانية.
مهارات التفكير النقدي لدى طلاب الجامعات العربية.
علم النفس المعاصر.
تكامل مصالح الأبدان والأنفس عند البلخي.
الصدمات النفسية في المجتمع الجزائري…وغيرها.
بلال عمام
مناقشة حول هذا المقال